اللاعب البارز الآن في العراق هو إيران وليست أمريكا التي مازالت تحتل قواتها الأراضي العراقية! إيران تلعب بالفلوس لحشد القوي المؤيدة والمناصرة لها، وتمكين هذه القوي من السيطرة علي زمام الأمور السياسية في العراق. وقد ظهر ذلك واضحا خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت فيها، ويبدو الآن بشكل أوضح خلال المشاورات التي بدأت فور إعلان النتائج النهائية لهذه الانتخابات، وهي النتائج التي كشفت عن العديد من المفاجآت أهمها فوز قائمة علاوي بأغلبية المقاعد البرلمانية، وصعود قائمة الصدر ضمن الائتلاف العراقي، وتراجع قائمة طالباني الكردية، مثلما تراجع أيضا مرشحو الحكيم. إيران تسعي الآن لتشكيل ائتلاف يضمن وجود حكومة عراقية ليس فقط علي علاقة طيبة بها وإنما ما هو أكثر من ذلك، أي تراعيها وتتوافق ولا تتصادم مع سياساتها في المنطقة. الإيرانيون تناسوا تحفظاتهم علي المالكي الذي رفض أن ينخرط في ائتلاف يضم كل القوي الشيعية وحرص علي أن يبدو خلال رئاسته للحكومة بمظهر المستقل عن السياسة الإيرانية. وها هم يسعون الآن لجمع المالكي مع الحكيم والصدر ومع الأكراد. إيران تريد أن تغلق الباب أمام علاوي للعودة إلي رئاسة الحكومة، لأنها تراه منحازاً إلي الطابع العربي للعراق، وراغبا في إحياء هذا الطابع. ولذلك تحاول الآن من خلال مفاوضات ومشاورات ترعاها تكوين ائتلاف برلماني واسع يضمن أن يتولي رئاسة الحكومة شخص آخر غير علاوي، بل ويضمن عدم مشاركة ائتلافه في الحكومة، ليظل قابعا في المعارضة. وفي سبيل ذلك يضغط الإيرانيون علي المالكي ليقبل بالانصراف وترك رئاسة الحكومة لأحد غيره يتوافق عليه الذين يتشاورون الآن.. وإذا ما وجد المالكي أن ذلك هو السبيل الوحيد لإبعاد خصمه علاوي عن رئاسة الحكومة الأغلب سوف يقبل بعدم التمسك برئاسة الحكومة، مثلما حدث مع الجعفري من قبل الذي ترك رئاسة الحكومة مضطرا. لكن المشكلة التي تواجه إيران أن الكتلة الأكبر في الأكراد، وهي كتلة مسعود برزاني، لا تميل لمثل هذا التحالف وتري أن الأفضل لها التحالف مع علاوي. كما أن الخلافات بين المجموعات والكتل الشيعية أكبر من محاولات استيعابها نظرا لممارسات سابقة تجاه بعضها البعض، وصلت إلي حد اعتقال حكومة المالكي عددا من العناصر الصدرية، وإن كان بدأ في الافراج عن بعضها الآن لتهيئة الأجواء للمصالحة الشيعية الكردية التي تحاول اتمامها إيران. ويضاف إلي ذلك أن الجهود الإيرانية في هذا الصدد تتغافل السنة في العراق، سواء الذين شاركوا في الانتخابات بشكل مباشر أو بالتحالف مع ائتلاف علاوي. وهذا من شأنه أن يهدد التوافق العراقي مستقبلا في ظل حكومة تستبعد أو تتجاهل السنة. المهم أن إيران منشغلة جدا بالشأن العراقي وأصابعها تعبث بأمور العراق، وتحاول ترتيب أوضاعه بما ينسجم مع أهوائها ومصالحها.. والسؤال أين نحن العرب؟.. لماذا لا نقوم بجهد ودور يواجه الدور الإيراني أو يعطله.. أم أننا اكتفينا بمجرد التصفيق لنجاح قائمة علاوي بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان العراقي؟