عرفت كتابات كمال غبريال قبل أن أعرفه شخصياً.. وتكونت لدي ملامح عامة رئيسية عن شخصيته وهي ملامح يمكن تلخيصها في كونه مصرياً وطنياً بالدرجة الأولي كما أنه ليبرالي أصيل.. لا يتهاون أو يتنازل عن التمسك بمبدأ فصل الدين عن الدولة تماماً فضلاً عن اقتناعه بمبدأ حرية الفكر والتعبير والرأي لأبعد مدي في النقاش والجدال وهو ما تأكد لي بعد ذلك بعد تعرفي تدريجياً منذ حوالي 5 سنوات عليه.. خاصة في لقاءات جمعتنا مع صديقنا المشترك نبيل منير المحامي. مؤخراً أهداني كمال غبريال كتابه الجديد «العولمة وصدمة الحداثة» وهو كتاب يضم مجموعة من المقالات التي نشرها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي يعتبرها تاريخاً محورياً ضمن أهم الأحداث الدولية التي شكلت توجه السياسة الدولية طوال السنوات الماضية ولازالت. وأعتقد أن هناك ثلاثة مفاهيم رئيسية تتسرب بين كلمات موضوعات الكتاب وأبوابه وهي العقلانية والحرية والعلمانية وهي المفاهيم التي أصبحت أكثر ضبابية وغموضاً بسبب كثرة ترديدها بدون تنفيذها فعلياً في المجتمع بصورة عملية وعلي سبيل التعريف: العقلانية: والتي يرفض الكتاب مجرد التوقف عند تعريفها البسيط علي اعتبار أنها مجرد إعمال العقل في معالجة الإنسان لأمور حياته إلي إدراك عقل الإنسان للقواعد والمرجعيات المتعارف عليها كي لا يتم تجاوز الحدود المسموح بها وهو ما يعتبر عكس اتجاه عمل العقل الجمعي للشعوب العربية. العلمانية: والتي يعرفها باعتبارها الفصل بين الفكر الذي يصدر عن المطلق وبين الفكر المنتج من خلال مركزية العقل وهو ما يتجلي في أحد صوره في الفصل التام بين الدين والدولة غير أنه اعتبر ذلك الفصل لا يمكن أن يتم إلا من خلال إرادة الشعوب بالتوقف عن الاستناد إلي نصوص مرجعية ثابتة.. لتبدأ في الاستقلال الفكري. من أكثر ما أعجبت به في كتاب كمال غبريال.. ما كتبه حول «العلمانية ومفهوم الوطنية» والتي لخصها بعد ذلك في تعبير «المواطنة العلمانية» حيث يمتلك كل مواطن الوطن بكامله وتتسم العلاقات بين فئات المجتمع بالحوار لاكتشاف أفضل السبل لتحقيق هذا الامتلاك الكامل للوطن.. مع التنسيق لكي لا تتصادم ممارسات الملكية الكاملة لأي فرد أو جماعة مع حقوق الآخرين في ممارسة ملكيتهم. بقي أن أذكر ملاحظة أساسية وهي أن الكتاب يتضمن العديد والعديد من الأفكار والقضايا والمفاهيم التي اجتهد صاحبها كثيراً في شرحها وتقديم وجهة نظره الشخصية فيها.. بحيث أصبحت صفحات الكتاب ترسم الملامح الفكري والقسمات الثقافية لكمال غبريال نفسه. إنه كتاب قيم يستحق القراءة والتحليل والنقاش.