هل بدأت معركة القدس الآن؟ لم تبدأ معركة القدس الآن بل تصاعدت لأنها قد بدأت منذ احتلال الأراضي العربية في الثامن من يونيو 1967 وعندما أعلن الإسرائيليون أنها عاصمتهم الموحدة إلي الأبد. وهم ومنذ تلك اللحظة والإسرائيليون ينفذون بكل إصرار وجبروت وعنف ودأب ما كانوا قد أعلنوه واتخذوه هدفًا لهم وذلك منذ بداية الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897. بل ليس من هذا التاريخ فقط بل منذ ظهور ما يسمي الصهيونية غير اليهودية في القرن السابع عشر فإذا كان ذلك المخطط الصهيوني قد بدأ تطبيقه علي أرض الواقع عملاً وفعلاً حيث كان ذلك منذ حريق المسجد الأقصي عام 1969 والذي علي أثره تم تشكيل ما يسمي بلجنة القدس علي المستوي الإسلامي، فأين العرب وأين المسلمون منذ ذلك الحين وهم يرون ويشاهدون ويستمتعون بما يتم ليس بالمسجد الأقصي فقط وفي إطار ما يسمي بحفر تلك الأنفاق تحته بحجة البحث عن هيكل سليمان المزعوم والهدف في المقام الأول هو هدم الأقصي قولاً وعملاً. بل ماذا تم في مواجهة ذلك المخطط الصهيوني الذي تم علي أساسه السطو علي الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح وهما من الآثار الدينية الإسلامية. وأين صوت العالم من ذلك المخطط وهم يقومون الآن بهدم سور القدسالشرقية الذي يعني تهديد كنيسة القيامة في المقام الأول؟ وأين القانون الدولي الذي يعتبر تلك الآثار الدينية واقعة تحت الاحتلال ولا يجب المساس بها؟ وأين قرارات مجلس الأمن التي مازالت تعتبر القدس عاصمة لكل الأديان وليس لليهود فقط؟ هل ما يتم للقدس الآن نتيجة للتردي العربي وذلك التفكك والتشرذم الذي أصاب الشعوب العربية؟ هل هذا هو الطبيعي لذلك الانقسام العربي بين حمائم وصقور؟ هل هو المحصلة النهائية والطبيعية لذلك الموقف الفلسطيني المخزي بين فتح وحماس؟ أم أن هذا هو الحصاد المر والمنتظر من ما يسمي بمعاهدة السلام والتي نجح من خلالها الصهاينة من فرط العقد العربي؟ بلا شك فإن الذي يحدث هو نتيجة لكل هذا ولغيره كثير. ولكن الأهم أن هناك مخططا صهيونيا يؤمن بهدف ويسعي إلي تحقيق هذا الهدف بل يحشد العالم في اتجاه هذا الهدف وبكل الوسائل السياسية والاقتصادية والأهم الدينية. وقد أقرت بتلك الحقيقة نفسها صحيفة يديعوت أحرونوت وبعد أن أشارت إلي خطط التوسع الإسرائيلي المكثف في القدسالشرقية قالت: بعض هذه الخطط في مراحل متقدمة بعضها لايزال في الهواء ولكنها جميعًا تنطوي في داخلها ودون أي استثناء علي حقيقة أنها إذا خرجت إلي حيز التنفيذ فإن هذه المدينة - القدس ومحيطها - لن يعود ممكنا تقسيما إلي اثنين. وهذا يعني الإصرار الصهيوني علي تنفيذ المخطط لتهويد فلسطين بكاملها خاصة الضفة الغربية والتي يسميها الصهاينة يهوذا والسامرة لما لها من أهمية كبيرة في العقيدة الصهيونية، وتعبير الصهيونية هنا واجب وبدون مزايدة حيث إن هذا التعبير لم يكن وليد الصدفة منذ مؤتمر بازل، بل مازال يُفعل ويُستثمر بشكل مذهل ومؤثر علي كل المستويات، وهنا نركز بأنه ليس كل اليهود صهاينة وليس كل الصهاينة يهود. حيث إنه عند زيارة نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن لإسرائيل تواكبًا مع الإعلان عن بناء 1650 وحدة سكنية في منطقة رامات شلومو في القدسالشرقية وبعد تلك الضجة المفتعلة والتي أسفرت عن لا شيء يقول جون بايدن لصحيفة يديعوت أحرونوت لا حاجة للمرء أن يكون يهوديًا لكي يكون صهيونيًا، إني أري نفسي بكل تأكيد صهيونيًا. وهذا يؤكد فكرة الصهيونية غير اليهودية، والأهم والأخطر أن تلك الفكرة بل تقول هذه النظرية الصهيونية هم التي كانت بداية الاختراق الخطير للديانة المسيحية تحت مسمي الصهيونية المسيحية أي ليس اليهود فقط هم الذين يمكن أن يكونوا صهاينة بل المسيحيون أيضًا. ومن خلال هذا الاختراق العظيم للمسيحية والذي ظهر جليًا في عهد ريجان والذي يمثل الآن إحدي الركائز الأساسية لقوة إسرائيل في إمريكا.. والدراسات هنا وفي هذا الإطار عديدة والحقائق أكبر وأخطر من أن يشار إليها وقد وصل الاختراق الصهيوني للمسيحية إلي حدود رهيبة وخطيرة أصبحت تهدد أسس العقيدة المسيحية ذاتها وذلك من خلال تلك القراءات الخاطئة والمغرضة لبعض نصوص العهد القديم والذي يؤمن به المسيحيون مع العهد الجديد، والعهد القديم هو كتاب اليهود والذي يتحدث عن تاريخهم وعن وعود الله لهم. حيث إن تلك الوعود كانت مشروطة بقبول رسالة السيد المسيح ولكن كما هو معروف فإن اليهود قد توقفوا عند العهد القديم ومازالوا ينتظرون مجيء المسيح الذي لن يجيء حسب المعتقد اليهودي إلا بعد بناء هيكل سليمان. وبناء الهيكل يعني هدم المسجد الأقصي، وفي كل الأحوال فإن هذا الاختراق الصهيوني للمسيحية ومن خلال ذلك الفكر الخاطئ يعني لم ينفوا فيه إيمانهم بأحقية اليهود وهم شعب الله المختار في أرض الميعاد وهي فلسطين، بل أحقيتهم في بناء الهيكل بما يعني هدم المسجد الأقصي مع العلم أن هذا يتناقض كل التناقض مع صحيح العقيدة المسيحية والتي تؤمن بمجيء المسيح بل بالمسيحية كعقيدة حسب نبوءات العهد القديم التي تحققت وحسب شريعة العهد الجديد المسيحية. والإيمان بالمسيحية يعني في المقام الأول إسقاط كل تلك النبوءات مثل الوعد أو الشعب المختار. ولكن قد وصل الاختراق الصهيوني للمسيحية الأمريكية حدوده القصوي، حتي تم حشد التأييد الواسع لهذا الاختراق في صفوف الإنجيليين المحافظين ومنذ 2001 وفي ظل إدارة جورج بوش، فقد ترابط ثلاثي: اليمين المسيحي الأمريكي مع اليمين الصهيوني ومع المحافظين الأمريكيين الجدد، وقد ظهر هذا الاختراق في دعم كثير من المنظمات الأمريكية للكيان الصهيوني، مثل منظمة السفارة المسيحية الدولية تلك المنظمة التي أعلنت صفحة كاملة في نيويورك تايمز بعنوان المسيحيون يدعون إلي أورشليم موحدة يعلنون فيها أن أكثر من مائة مليون مسيحي أمريكي يفتخرون بأنهم يتحدون معًا لدعم سيادة إسرائيل علي المدينة المقدسة أورشليم، وهذا يعني أن الذي يحدث في القدس ليس بجديد، وبدعم عالمي وفي إطار ديني لا يبعد عن استغلال نظرية صراع الأديان. ويستغل ذلك الاختراق الصهيوني للمسيحية وبالأخص في أمريكا. فهل نستغرب هذا الصمت الأمريكي بعد ذلك؟ وهل ينتظر أحد من أوباما تحقيق تلك الكلمات الناعمة التي أرضي بها المسلمين في جامعة القاهرة؟ وهل يملك أوباما ولا أي أوباما أن يواجه إسرائيل أو يتصدي لهذا المخطط الصهيوني؟ أم من الطبيعي أن يعلن أن أمن إسرائيل هو المهمة الأولي لأمريكا بل عليه أن يبتلع أي تصرف أو إهانة من ذلك الصديق الصهيوني؟ ولكن الأهم أين العرب والمسلمون؟ ألا توجد أي أوراق يمكن الضغط بها؟ ألا يوجد غير الهوان؟ وهل هانت المقدسات لهذه الدرجة؟ والأهم من هانت عليه كرامته ومقدساته لا يجب أن نطلب من أحد الدفاع عن هذه الكرامة وصيانة تلك المقدسات، ولك الله يا قدس يا مدينة الصلاة!!