في الساعة الواحدة ظهراً كنتُ مع أكثر عروض الزمن الميتافيزيقية صلفاً وعنجهية وتطرفاً للألماني الكبير إمانويل كانط حامي حمي الفلسفة الترنسندنتالية في كتابه الغامض نقد العقل المحض. الزمن ليس مفهوماً تجريبياً مشتقاً من أي تجربةٍ كانت، ذلك أن المعية شأنها شأن التتالي لا تُدْرَك إنْ لم يشكِّل تصوُّر الزمن أساساً لها، وبموجب هذا الشرط فقط يمكن تصوُّر أنّ شيئاً يوجد مع شيء آخر في زمن واحد أو في أزمنة مختلفة. الشيء عند إمانويل كانط هو المكان بإطلاقه أو هو مادة الكون بإطلاقها، أي أن الزمن هو سراب ضروري لإدراك أن شيئاً يوجد مع شيء آخر في زمن واحد أو في أزمنة مختلفة. وبهذا تكون المعية والتتالي بغير معني، أي أن كلمات إمانويل كانط في ضوء نظريات الفيزياء الحديثة لا تتعدي الآن الحقيقة الأدبية، الحقيقة الفنية، طالما أن الخطاب الفلسفي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر كان مصراً علي حقيقته العلمية، سواء كانت تلك الحقيقة عند كانط أو هيجل. الزمن هو تصوُّر ضروري لكل حدس، فليس في الإمكان نسخ الزمن نسبةً إلي الظواهر، علي الرغم من أنه بالإمكان تجريد الزمن من الظواهر، فالزمن إذن مُعطي قبلي، وفيه وحده تتحقق الظواهر، ويمكن للظواهر أن تختفي كلها معاً، أمَّا الزمن نفسه، بوصفه شرط إمكانها العام، فلا يمكن أن يلغي، فالزمن ليس له سوي بعد واحد. الأزمنة المختلفة ليستْ معاً، بل تتتالي، في حين أن الأمكنة المختلفة لا تتتالي، بل تكون معاً. وفي الساعة الخامسة بعد الظهيرة كنتُ مع عِبَارة بطل فيلم العاري للمخرج مايك لي، عندما سألته صديقته من أين جاء، وكانت تقصد المكان والزمان ووسيلة المواصلات معاً. في الأساس كانت هناك نقطة والنقطة انفجرتْ ثم تضاعف الانفجار وأخذ شكل الطاقة وأخذتْ الطاقة تبرد فأخذتْ شكل المادة ثم عاشتْ المادة في الأميبا ومن الأميبا إلي السمكة ومن السمكة إلي الطير ومن الطير إلي الضفدع ومن الضفدع إلي الثدييات ومن الثدييات إلي القرد ومن القرد إلي الإنسان الذي بحث عن الحب زوج زوجة إنجاب لحظة موت ثم أبدية يرشُ عليها جبنة مبشورة وتوضع علي شوَّاية إلي يوم القيامة. وفي العاشرة مساءً كنتُ مع عِبَارة في فيلم رومانسي لهاريسون فورد وآن هاش التي جاءت مع خطيبها لجزيرة صغيرة بحثاً عن الحب. يقول لها هاريسون وهو يضغط علي كلماته: إنها جزيرة صغيرة وإذا لم يحمل مَنْ يأتي إليها ما يتوقَّع أن يجده فيها فلن يجده فيها. تتحطم طائرة هاريسون الحمراء أثناء الانتقال بآن إلي جزيرة أكبر، ومع أن هاريسون وآن لا يحملان معهما ما لا يتوقعان وجوده في جزيرة أكبر، إلا أنهما يجداه هناك علي الجزيرة الأكبر. لا يتوقَّع مُشاهِد مُسالم غير فضولي في معرفة حياة نجوم هوليوود الحقيقية، أن الممثلة آن هاش في حياتها الواقعية، تُفضِّل النساء، إلا أن الحقيقة الفنية والحقيقة الواقعية لن تكونا معاً إلا في زمن واحد مُتتالي بحسب إمانويل كانط، وبما أننا تجاوزنا الألماني الكبير بضربة توائم أينشتين الزمنية، فلنا أن نضع حقيقة آن هاش الفنية والواقعية علي قدم المساواة في زمنين مختلفين لا يخضان للتتالي، ولا أمل في التوفيق بينهما. وفي منتصف الليل تقريباً كنتُ مع عِبَارة من يومياتي، وقد جاهدتُ معها طويلاً كي تتقدم إلي الأمام أو حتي تتراجع إلي الخلف، فيزهد عقلي فيها. في البداية، وكي لا أُتَّهَم من قِبَل نفسي، أو من قِبَل آخرين، وهم لا يعنونني كثيراً، بعدم الرضا، قمتُ بتخفيض الأشياء التي أشعرُ بأنها ليستْ علي ما يرام إلي شيء واحد، وبدلاً من أن أقول: كل شيء ليس علي ما يرام، قلتُ من باب التواضع: شيء واحد فقط ليس علي ما يرام، لكنه لفرط أهميته وطغيانه وتأثيره علي، جعل الأشياءَ تبدو في نظري، وكأنها جميعاً ليستْ علي ما يرام، شيء يجمع الماضي والحاضر والمستقبل، دون أن يكون ماضياً أكثر من الحاضر، ودون أن يكون حاضراً أكثر من المستقبل، شيء تتوقف معنويته، أو ماديته علي زاوية نظري إليه، وحركتي في اتجاهه، فهو لا يعمل، ولا يكون إلا بالنظر إليه، والحركة تجاهه، وعلي هذا تكتسبُ كل نظرةٍ معنًي، وكل خطوةٍ اقتراباً، وحتي عندما تكون نظرتي ليستْ إليه، وخطوتي ابتعاداً عنه.