تقرير جديد صدر الجمعة الماضية عن معهد يميني أمريكي يؤكد بالوقائع أن العرب سعوا إلي تحسين العلاقات مع أمريكا خلال الفترة الثانية من ولاية الرئيس جورج بوش الابن بعد أن تدهورت كثيرا في فترته الأولي وذلك بالرغم مما خلفته سياساته الخرقاء وانعكاساتها علي العلاقات بين واشنطن والعواصم العربية منذ حرب العراق مرورا بسياسات الاملاء الخاصة بالديمقراطية والحريات. واستنكر التقرير دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لبداية جديدة مع العالمين العربي والاسلامي لافتا إلي أن المصالح المشتركة تفرض الاحترام. تساءل التقرير: هل انعكس التأييد الواسع الذي يحظي به باراك أوباما ومن ثم الولاياتالمتحدة في العالم العربي ايجابيا علي العلاقات بين العرب والأمريكيين سواء علي الصعيدين الرسمي أو الشعبي؟ بمعني آخر.. هل ترجمت هذه المشاعر إلي مكاسب ملموسة؟ التقرير مبني علي تحليل السلوك العربي تجاه الولاياتالمتحدة منذ عهد بيل كلينتون إلي جورج بوش ثم باراك أوباما ويؤكد ان العلاقات البينية رسمية كانت أو شعبية سرعان ما عادت إلي مسارها عام 2005 بعد مرور عامين علي حرب العراق وحتي في عهد جورج بوش الذي مثل عقبة كبيرة وصدعا في جسر العلاقات الا أنه في جميع مراحل التقارب أو التباعد وحتي في أوقات اشتعال المظاهرات في الشارع العربي ضد السياسات الأمريكية، فان أيا من الحكومات العربية لم تقطع تجارتها مع واشنطن أو توقف شراء الأسلحة الأمريكية، بينما لم تعارض الشعوب العربية أي جهود اصلاحية من الحكومات العربية تحظي بدعم أمريكي. الأطروحة التي يأتي بها ديفيد بولوك الخبير في شئون الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني تبدو لأول وهلة وكأنها جهد يراد به خدمة العلاقات العربية الأمريكية، فهو محرر تقرير صدر منذ يومين بعنوان "أفعال وليس اتجاهات فقط: طريقة جديدة لتقييم العلاقات العربية الأمريكية" يدعو فيه لتحليل نظرة العرب علي الصعيدين الحكومي والشعبي إلي أمريكا بناء علي وقائع وحقائق وأرقام.. وليس علي أساس تصريحات رسمية أو استطلاعات رأي أو حتي تحليل مضامين وسائل الاعلام، لكن المتمعن في مضمون التقرير يجد أنه انحاز إلي جنسيته منذ البداية فالكاتب الذي عمل مستشارا رفيعا لشئون الشرق الأوسط بالخارجية الأمريكية سابقا لم يذكر شيئا عن موقف الأمريكيين حكومة وشعبا من العرب أو ربما سعي ادارة بوش في فترته الثانية علي رأب الصدع مع العرب ولو قليلا بعد أن فرضت المصلحة وجوب التهدئة وبالتالي تغافل التقرير أن العلاقات الثنائية ليست أحادية الجانب أو كما يقول المثل It takes two to tango واضعا أمريكا في موقف المتفرج أو المشاهد للعبة سياسية بطلها العرب. توقيت اعلان التقرير لا شك أن له دلالته فهو يصدر بعد مرور عام علي تولي باراك أوباما دفة قيادة القوة العظمي في العالم كما انه يتزامن مع اعلان اسرائيل بناء مستوطنات جديدة وقت استقبال نائب الرئيس الأمريكي في تحد سافر لموقف أوباما السابق من المستوطنات في اشارة إلي أن الأمر عادت إلي نصابها.. وكأن التقرير يقول ان العرب عاطفيون يسهل تحريك مشاعرهم بين الفينة والأخري ضد الولاياتالمتحدة في عهد جورج بوش أو معها في عهد أوباما رغم نفي بولوك ذلك ل"روزا ليوسف". وأضاف بولوك الذي عمل مستشارا رفيعا للشرق الأوسط الكبير بوزارة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن ل"روزا ليوسف" ان كثيرا من العرب ما زالوا يحترمون القيم الديمقراطية الأمريكية والتسامح والتكنولوجيا والاعلام والتقدم الاقتصادي وربما يكونون معجبين بالأمريكيين علي المستوي الشخصي حتي وان عارضوا بعض السياسات الأمريكية، لكنهم أيضا يجدون أسبابا منطقية للاحتفاظ بعلاقات مع الولاياتالمتحدة لتعلم اللغة الانجليزية ومحاولة الدراسة في المدارس الأمريكية أو السفر للولايات المتحدة وشراء المنتجات الأمريكية الشعبية مثل معجون أسنان "كريست" الذي يصنع بترخيص من الشركة الأم في مصر وستاربكس وماكدونالدز وكوكا كولا وغيرهم. وأوضح: "أجد أيضا عدة دلائل علي أن كثيرا من العرب سواء كانوا في مواقع رسمية أو من النخبة الاقتصادية والمهنية أو حتي مواطنين عاديين..يشعرون أن المصالح الأمنية والاقتصادية العليا لبلادهم تستفيد أيضا من وجود علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة وذلك بالنسبة للوظائف والصفقات التجارية والمعونة والتكنولوجيا العسكرية والطبية المتقدمة والحماية ضد ايران والارهابيين ومصالح مشتركة أخري". اذا ما عدنا إلي الوراء قليلا فسوف نتذكر حملات المقاطعة الشعبية التي دعت اليها قوي وطنية كثيرة في مصر ودول عربية أخري وهذا ينطبق علي شراء الماركات الأمريكية وحتي السفر اليها. في ذلك الوقت، عانت الكثير من فروع الشركات الأمريكية ومن بعدها البريطانية وان كانت بدرجة أقل العاملة في مصر من هذه الحملات التي طبعت لها قوائم بالسلع والمطاعم والماركات الأمريكية والبريطانية وحتي الاسرائيلية (اذ لم تكن المقاطعة قاصرة علي العالم العربي فقط بل امتدت إلي أوروبا أيضا) وشهدت فترة صعبة أثناء اشتداد موجة الغضب ضد السياسات الأمريكية وركزت هذه الشركات علي رسالة مشتركة هي أن العاملين في هذه الشركات هم مصريون بالأساس وأن مقاطعة هذه المطاعم أو السلع يضر بالعمالة المصرية التي تبحث عن فرصة للعيش الكريم. لكن ذلك الوضع كان مؤقتا وتغير كلية عام 2005 حين تناسي العرب ما ألحقت أمريكا بهم ربما لحبهم الذي يكنوه لها ولأنهم عاطفيين أكثر من الازم يسهل الضحك علي ذقونهم بكلمات قليلة معسولة من لسان أوباما في خطاب بدأه ب"السلام عليكم" دغدغ به مشاعرهم من جامعة القاهرة أو لانعدام نفسهم الطويل وعدم قدرتهم علي المواجهة، وهو ما جعل بولوك يقول في تقريره ان الشعوب العربية تجد صعوبة في مقاطعة أمريكا سواء بالنسبة لبضائعها أو بالنسبة للسفر اليها وذلك مرجعه إلي صعوبة تحديد اذا ما كان مصدر السلعة أمريكا أو لأن الشعوب العربية لا تجعل آرائها تؤثر علي قراراتها الشرائية.. فربما يكون البحث عن عالم غير أمريكي في الوقت الحالي دربا من الخيال. ودعم بولوك أطروحته بالقول ان مسحا أجري في يونيو الماضي حول آراء الأردنيين في أمريكا كشف ان 75 ٪ ينظرون اليها سلبيا لكن 25 ٪ فقط قالوا ان نظرتهم هذه ستؤثر علي شرائهم المنتجات الأمريكية، وكذلك في مصر التي قال 54 ٪ من مواطنيها الذين استطلعت آرائهم ان مشاعرهم تجاه الولاياتالمتحدة لا زالت سلبية منهم 15 ٪ فقط قالوا انهم لن يشتروا سلعا أمريكية بينما قال ضعفهم انهم سيشترونها. من ضمن الماركات الأمريكية التي شهدت نموا كبيرا في حجم تعاملاتها بالدول العربية هي شركة جنرال موتورز ومنتجات كرافت الغذائية وشركة بروكتر أند جامبل التي تعد علي وجه التحديد مثالا علي انكسار موجة المقاطعة المصرية لها، فرغم أنها كانت تعتلي قوائم المقاطعة وقت ذروة الغضب تجاه كل ماركة أمريكية، الا انها أعلنت منذ بضعة سنوات ان منتجاتها مستخدمة في 9 منازل من كل 10، كما أن مقهي "ستاربكس" الأمريكي الشهير له سوق كبير في الدول العربية خاصة منطقة الخليج. وتشير التقديرات التي أوردها التقرير إلي أن نسبة الطلاب العرب الذين يدرسون بالولاياتالمتحدة هي الأعلي الآن منذ بداية العقد الحالي، بما يعني أن الأمور كلها وقتية.. حماسية.. لا شئ يدوم لأنه لا يوجد موقف جدي. حكوميا، أوضح التقرير ان حجم الصادرات الأمريكية إلي الدول العربية شهد نموا كبيرا بعد عام 2003 ليرتفع من 2.18 مليار دولار عام 2000 إلي 3.46 مليار دولار عام 2008. ودلل علي ذلك بالقول ان مبيعات السيارات الأمريكية إلي السعودية زادت 5 أضعاف والي الامارات 10 أضعاف في الفترة من (2003 -2008)، كما شهدت الصادرات الأمريكية من السلع الأخري إلي الدول العربية زيادة بنسبة 50٪. وقال التقرير ان الحكومات العربية طورت علاقاتها مع البيت الأبيض علي الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري والمخابراتي في الفترة من (2004-2008) حتي قبل وصول أوباما إلي البيت الأبيض، كما زادت الصفقات العسكرية الأمريكية مع كل الدول العربية فيما عدا سوريا والسودان والسلطة الفلسطينية لأسباب أخري. وقال التقرير ان الأفعال وليس الأقوال هي التي تحكم علي العلاقات بين أمريكا والعرب ولهذا يجب وضع مؤشر لسلوك العرب Arab Behavior Index يتم فيه تحليل ما يفعله العرب حكومات وشعوب ولا يتم فيه الاحتكام إلي استطلاعات أو مسوح أو تحليلات لمضامين وسائل الاعلام العربية. ورصد التقرير انخفاضا حادا في العلاقات العربية الأمريكية خلال العامين الأوليين لرئاسة جورج بوش سجلت أدني مستوي لها عام 2003 وقت غزو العراق انعكس علي طلبات التقديم علي تأشيرات السفر للولايات المتحدة بغرض الدراسة أو العمل أو غيرهما وصفقات الأسلحة مع أمريكا والتجارة البينية فيما اشتعلت المظاهرات ضد السياسات الأمريكية في الشارع العربي، لكن الوضع شهد بعد ذلك تحسنا دراماتيكيا علي المستويين الرسمي والشعبي اذ انخفضت المظاهرات المعادية لأمريكا بالرغم من اشتعال المظاهرات ضد اسرائيل عامي 2006 و2009 بسبب حرب لبنان وحرب غزة. وذكر التقرير ان 539 مظاهرة جرت ضد أمريكا في العالم العربي في الفترة من (2000-2005) انخفضت إلي 132 في الفترة من (2006-2009). وذكر التقرير ان 1 ٪ من الشعب العربي أي 3 ملايين شخص شارك في مظاهرات أو مسيرات ضد أمريكا عام 2003 بسبب غزو العراق الا أن هذا العدد انخفض بعد عام 2005 وأصبح نصف مليون فقط. وأشار بولوك في تقريره إلي أن الشارع العربي يجد نفسه في موضع منافسة مع الأريكة العربية Arab sofa التي يستطيع المواطن العربي الجلوس عليها لمتابعة التطورات السياسية علي شاشة التليفزيون أو كتابة تعليقات علي الأحداث الجارية علي مدونته الشخصية فيقتصر النشاط السياسي علي المنزل واللاب توب!