لا أخفي حزني الشديد علي رحيل الإمام الأكبر د.محمد سيد طنطاوي (شيخ الجامع الأزهر الشريف).. والذي دائماً ما كان يمثل لي نموذجاً واضحاً للشخصية المصرية الأصيلة ببساطتها وأخلاقها وتواضعها وشهامتها؛ فضلاً عن السمة الأشد وضوحاً في شخصية شيخ الأزهر الشريف الراحل وهي السماحة المرتكزة علي أخلاق العلماء ونبوغهم. إنه حزن يعود إلي العديد من الأسباب، منها: ما يمثله د. محمد سيد طنطاوي من كونه صاحب العلامة الفارقة في تحول الأزهر الشريف إلي بؤرة الاهتمام العالمي في كل حديث عن حوار الحضارات وحوار الأديان.. كمرجع (سني) أصيل.. معتدل ومستنير. ما يمثله د. محمد سيد طنطاوي من شخصية متميزة جعلت له مكانة دينية رفيعة المستوي بين مختلف دول العالم، كما أنه يمثل واحدة من أكبر المؤسسات الإسلامية بوجه عام، وعلي قمة المؤسسة الإسلامية السنية بوجه خاص. ما يمثله د. محمد سيد طنطاوي علي اعتبار أنه الممثل للمؤسسة الدينية الإسلامية للدولة المصرية، وما يحمله من تبعيات و(حساسيات) لكل ما يقوله أو يكتبه.. خاصة فيما يمس القضايا المجتمعية (مثل: التوترات الطائفية أو زراعة الأعضاء..)، وما يمس القضايا الدولية (مثل: مشكلة فلسطين وتهويد القدس..). ما يمثله د. محمد سيد طنطاوي من اعتباره واحدا من أهم المرجعيات الدينية ليس في مصر أو المنطقة العربية فحسب، بل علي مستوي العالم كله. وهو ما جعله محط اهتمام دولي، كما جعل لكلماته انتشاراً واسعاً وتأثيراً ملحوظاً. ما يمثله د. محمد سيد طنطاوي من كونه صاحب مدرسة بارزة في التوازن والوسطية التي لا يستهان برأيها أو يستغل بما ليس لها. وهو صاحب الفتاوي الجريئة التي جعلته دائماً مدافعاً عن الحق والعدل والوطن المصري في مقابل تصديه لكل ما هو متطرف أو متشدد أو ضد مصلحة هذا البلد. ما يمثله د. محمد سيد طنطاوي من كونه مدافعاً عن صحيح الدين الإسلامي وسماحته ومرونته بدون أن يدخل في عداء شخصي مع أحد. ولقد اتخذ العديد من المواقف الحاسمة في القضايا الشائكة والطارئة التي وجد نفسه فيها مطالباً بالتحليل والتفسير والحسم، ولم يتراجع عن مواقفه التي اتخذها بعد دراسة متأنية من أجل الحفاظ علي كرامة شيخ الأزهر وهيبته. وبغض النظر عن مدي اتفاق البعض واختلاف البعض الآخر.. مع شيخ أزهرنا الشريف الراحل د.محمد سيد طنطاوي؛ فإننا قد (خسرنا) شخصية دينية مصرية من (العيار الثقيل). خسرنا عالم دين له أفكاره الخاصة وقناعاته المتعلقة بالقضايا الجدلية، والتي جعلته لا ينساق خلف حالة الفوضي الدينية الموجودة في المجتمع أو الخضوع لابتزاز البعض له بالتشكيك فيما يطرح. الله يرحم الشيخ محمد سيد طنطاوي.. والبقاء لله!