أحد الأطفال هو الذي رمي في المنور قشر الموز أو اللب أو اليوسفندي. دائما طفل هو المذنب كأن البيت لم يكن يسكنه سوي الأطفال. علي الرغم من أنهم قد يكونون أبرياء من رمي هذه الأشياء، والدليل علي هذا مثلا كمية قشر اللب المرمية والتي لا يمكن أن تكون نتيجة قزقزة طفل بمفرده إلا إذا كان طفلا يتعملق في حضور اللب. لكنهم دائما كانوا في وش المدفع، ويضحي بأحدهم عندما كان أبو محمود يقف في المنور ويصيح غاضبا من الزبالة التي ترمي عليه من فوق. ويطل عليه أحد الكبار معتذرا ويعده بمنع الواد الصغير من فعل هذا مرة أخري. ولم يكن أي طفل يستطيع أن ينطق بالحقيقة بقول إن أباه أو أمه أو أخاه الكبير هو من رمي هذه الأشياء. وكثيرا ما اضطروا للوقوف أمام أبو محمود صامتين وغير قادرين علي الاندفاع إلي الشارع حتي ينتهي من وصلة التأنيب والنصائح، وانتزاع كلمة "حاضر" منهم مرات عديدة بعدما يأمرهم ب"ما ترموش حاجة تاني". كان من خلال تأنيبه لهم يريد توصيل رسالة للجميع يعلن فيها عن استمرار غضبه وأن للمنور شخصًا يدافع عنه أمام أي شيء يرمي فيه. وحينما يكون أحد الأطفال غاضبا من أخيه الكبير يعترف مباشرة بأنه هو الذي رمي القشر، فيتراوح رد أبو محمود عليه بين إفهامه بضرورة عدم الكذب واتهام الآخرين بما فعله أو استمراره في وصلة التأنيب والنصائح للأخ الكبير من خلاله. لم يكن يقدر علي مواجهة الكبار بما فعلوه لأنهم سينفون اعترافات الصغار ويكذبونها أو سيردون عليه بما لا يسره ويصدعون دماغه بأنهم رموا القشر بدون قصد ويجب عليه ألا يكبر الموضوع. وأحيانا لم يكن أحد من الكبار يطل عليه من المنور ويرد عليه لمعرفتهم أنه سيصمت في النهاية وأن الموضوع لا يستحق أخد ورد بالإضافة إلي تضايقهم من تكرار صياحه كلما سقط في المنور أي شيء حتي لو كانت قشرة لب. وعدم رد أحد عليه كان يجعله يوجه صياحه إلي كل من يسكنون فوق. ويؤكد علي أن المنور ليس مقلب زبالة وأن سكنه في الدور الأرضي ليس ذنبا عليه أن يتحمله، وأن أيا منهم " يا ساكنين فوق " لو كان مكانه وألقيت عليه الزبالة لكان أقام الدنيا وأقعدها. وإذا كان بالإمكان عدم معرفة الشقة التي رمي منها شيء خاصة عندما يتجاهل الجميع الرد علي أبو محمود فإنه علي العكس يسهل معرفة مصدر الرائحة التي تتصاعد من أسفل إلي أعلي، فالمصدر معروف وواضح خصوصا في الصيف عندما تفوح رائحة مخلفات الفراخ التي تربيها أم محمود في المنور. وكانت المشكلة غالبا تنتهي بأن تنادي عليها إحدي الجارات لتفهمها بأن الرائحة صارت نفاذة وتضايق كل الجيران، وتطلب منها تنظيف المنور ورشه لتطهيره. وتنفذ أم محمود طلب الجارة لكن بعد أن تؤكد لها علي أنها كانت تنوي فعل هذا فور انتهائها من طبخ الغداء، وبعد أن تجادلها قليلا في مدي قوة الرائحة التي تراها أم محمود دائما ليست نفاذة إلي درجة أن يشكو منها الآخرون. فلو كانت الرائحة غير محتملة لكانت هي أول من اشتكي، وربما ما يشمه الجيران ليس رائحة منورها بل روائح المناور المجاورة التي تكثر فيها الفراخ.