وسط الضوابط التي تفرضها الكنيسة الارثوذكسية علي اعضائها في تطبيق شريعتها ، وتباين نهجها في ممارسة بعض من الطقوس الدينية عن الطوائف المسيحية الاخري، ظهرت مجموعة من الدوائر الدينية بين المسيحيين للمتاجرة بالقضايا محل جدل بين المسيحيين علي رأسها الشروط الصارمة للزواج والطلاق، أو ممارسة نوع من التبشير الداخلي لصالح الطوائف الاخري وهي أمور حذرت من خطورتها ادارة الكنيسة خلال الفترة الماضية. هذه الدوائر الدينية تخرج من رحم الكنيسة علي يد بعض الاساقفة والكهنة بالاضافة إلي بعض العناصر المسيحية، لكنها تعمل في الخفاء وتمارس ادوارا تتعلق بالشرائع الكنسية تختلف في الغالب عن تعليمات البابا التي تعد مصدرًا للقانون باعتباره رئيسًا للكنيسة الارثوذكسية، وأحيانا ما يروج هؤلاء افكاراً دينية متشددة في غرف مغلقة بعيدة عن رقابة الكنيسة كنوع من الوعظ، وهو ما يمثل تحدياً حقيقياً لقضية التعايش الديني. يتضح الدور الذي تقوم به مثل هذه الدوائر الدينية في قضايا الأحوال الشخصية خاصة المتعلقة بشروط الزواج والطلاق باعتبارها محل جدل وخلاف بين الطوائف المسيحية الثلاث "الارثوذكس، الكاثوليك، والبروتستانت".. إذ كشفت مجموعة من الاحكام القضائية صدرت مؤخرا من محاكم الاسرة عن تحايل بعض الاقباط الارثوذكس علي شرط الطلاق بتغيير الملة إلي الطائفة الانجيلية بشهادات مزورة من اجل استكمال الخلع أو الزواج مرة ثانية. وحسب نصوص أحكام حصلت "روزاليوسف" علي نسخة منها رفضت - علي سبيل المثال وليس الحصر - الدائرة 29 بمحكمة شبرا لشئون الاسرة في جلستها 29 ديسمبر الماضي تأييد خلع الارثوذكسية (م.ف.ح) في القضية رقم 385 لسنة 2009 من زوجها (ج.د.س) بعد ثبوت عدم وجود سجلات لدي الطائفة الانجيلية تفيد عضويتها بها خاصة انها اقامت الدعوي علي اساس تغيير الطائفة.. وبنفس الدائرة رفضت المحكمة أيضا طلب خلع الارثوذكسية (م.ح.ي) من زوجها( أ.ص.ع) في القضية رقم 393 لسنة 2009 بعد ثبوت تزوير شهادة تغيير طائفتها إلي الروم الارثوذكس التي اعتمدت عليها في الدعوي، كما أثبتت محكمة الاسرة بشمال القاهرة 30 واقعة تزوير لتغيير الملة في 30 قضية من ازواج ارثوذكس طالبوا الطلاق والخلع ، و10 قضايا مماثلة في عين شمس ، و20 قضية أخري بمحكمة المرج والمطرية . المثير في الامر هو اعتراف رئيس الطائفة الانجيلية القس صفوت البياضي بأن هناك قساوسة وكهنة معروفين لدي الكنيسة بالفعل يقومون بتزوير هذه الشهادات، وقال ل"روزاليوسف" إن الدافع من وراء ذلك هو الاستفادة المادية خاصة مع تشديد شروط الطلاق والزواج وهو ما يرفع المقابل المادي لمثل هذه الشهادات، وأضاف إنهم طالبوا أكثر من مرة الكنيسة الارثوذكسية بالتصدي لهؤلاء الاشخاص وسحب دفاتر الشهادات منهم لكن لم يستجب أحد. وأوضحت المحامية نورا علي والتي حصلت علي أحكام تثبت تزوير شهادات تغيير الملة انها حاولت الاستعلام عن بعض الشهادات لدي الطائفة الانجيلية إلا أن رئيس الطائفة أكد أن هناك ما يسمي ب"كنائس بير السلم" تصدر شهادات غير معتمدة دينياً وهي معروفة في الوسط المسيحي لتطبيق الشريعة الإسلامية وفقاً لقانون الأحوال الشخصية، وقالت إن المحكمة قامت بإبلاغ النيابة العامة ضد هذه الوقائع باعتبار انها تزوير في محرر رسمي وهي جناية يعاقب عليها القانون. تطبيق الأحكام بينما اكد محامي البابا شنودة ماجد حنا أن هناك بعض الطوائف وبعض الكنائس تقوم بإصدار شهادات لتغيير الملة وتشترط علي من يلجأ اليها ألا يستعلموا عنها في وثائق الكنيسة ومكان صدورها اي أن تكون بالتوافق بين الطرفين (الزوج والزوجة في حالة الطلاق مثلا)، وقال إن هذه الكنائس تتبع طائفة البروتستانت وفي الغالب ما تكون لها أصول في الخارج مثل بطريركية اليونان الانجيلية، وطائفة المارونية وهي تقوم باستخراج شهادات معتمدة من مقرها الرئيسي بسوريا . وأضاف إن مثل هذه الممارسات يقوم بها بعض المحامين أيضا خاصة المتخصصين في قضايا الاحوال الشخصية، مشيرا إلي أن هذه الاجراءات غير الشرعية تعد مصدرا للتكسب إذ تتراوح قيمة الشهادة ما بين 3 و5 آلاف جنية مشيراً إلي أن الكنيسة لا تتدخل لأنها ليست طرفاً. محامي البابا اشار إلي أن الاحكام غير ملزمة للكنيسة لأن لها شريعة خاصة بها، وقال إذا صدر حكم مخالف للكتاب المقدس لا يطبق، وهي ملاحظة تحتاج لتفسير خاصة أن الأحكام التي تصدر مرجعيتها الاساسية القانون الذي يطبق علي جميع المواطنين في نظام الدولة المدنية، كما أن القواعد القانونية التي تنظم الشئون الشخصية بين المسيحيين تمت مراجعتها من المجلس الملي قبل إقرارها أي أنها لا تتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس. وأوضح المستشار جميل بشاي رئيس محكمة الاستئناف السابق أن هناك تناقضاً في الأحكام القضائية بسبب تعارض لائحة البابا شنودة مع لائحة (38) التي ينص عليها قانون الاحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 ، وبالتالي يلجأ بعض القضاة لتنفيذ لائحة البابا باعتبار انها منشورة في الجريدة الرسمية، في حين يطبق آخرون القانون، وقال: الجميع محق من الناحية القانونية لكن الامر يستوجب تدخلاً تشريعياً بتعديل يتصدي لمثل هذه الابواب الخلفية. مظاهر أخري كما أن هذه الدوائر الدينية تظهر أيضا في مشاهد أخري داخل الكنيسة وفي تقاليد تختلف مع ما يدعو إليه رؤساء الطوائف الرئيسية، منها الالتفاف علي قرار البابا شنودة برفض زواج الارثوذكس من الكاثوليك إلا بعد التعميد وفقًا للطائفة الارثوذكسية، إذ يقوم بعض الأساقفة ورجال الكنيسة بإصدار شهادات تعميد شكلية لإنهاء إجراءات الزواج داخل الكنيسة، وأيضاً قضية وعاظ البيوت التي حذر منها البابا كثيراً وهم مجموعة من الأساقفة والكهنة يقومون بأداء الصلوات داخل المنازل، وأحياناً ما يكون ذلك محل ترويج لأفكار دينية متشددة. هذه التصرفات وإن كانت لا تخرج عن نطاق الفردية لبعض رجال الكنيسة إلا أنها تضفي نوعًا من العشوائية وعدم التنظيم في تطبيق الطقوس الدينية.. وهذا لا شك له مردوده الديني والفكري بشكل لا يختلف عن التشدد الذي يروجه بعض هواة الدعوة في مساجد الزوايا والذي يتم بعيدا عن المؤسسة الدينية الإسلامية، بشكل يفرض علي الكنيسة التدخل للمعالجة. وقال القمص صليب متي ساويرس راعي كنيسة مار جرجس بالجيوشي والامين العام لمركز السلام الدولي لحقوق الإنسان إن الكنيسة تعلم أبناءها الطريق الصحيح لكن هناك أخطاء والأعيب لا دخل للكنيسة بها ويجب إعمال القانون فيها، مشيرا إلي أن أي شخص سواء كان في الرتبة الكنسية أو غير ذلك تثبت إدانته في خطأ يحول للمحاسبة داخل الكنيسة بعقوبة يحددها البابا .