خلال زيارته.. محافظ الإسماعيلية يستقبل الأمين العام المساعد للبحوث الإسلامية    نقيب الأشراف يلتقي رئيس مجلس القضاء الأعلى لتقديم التهنئة بتوليه منصبه    محافظة الجيزة: كسر مفاجئ بخط طرد محطة الطالبية يتسبب فى انقطاع المياه عن كفر طهرمس    محافظ الجيزة: حريصون على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ودعم الابتكار في قطاع النقل والخدمات    مرسيدس: "حظر سيارات الوقود سيدخل الصناعة الأوروبية في الحائط"    الوجود العسكري الألماني في أوكرانيا يواجه "تحديًات سياسية هائلًة "    بالأرقام.. الخارجية تكشف جهود مصر في دعم غزة    14 ضحية وقعت في الفخ.. البطاقات الحمراء تشعل الدوري المصري مبكرًا    وسام أبو علي: مقتنع بخطوة اللعب في كولومبوس.. والأمر كان صعبًا بسبب الأهلي    عانى من كسرين في القدم.. تفاصيل جراحة مروان حمدي وموعد عودته للمباريات    رقص بملابس خادشة.. الداخلية تعلن تفاصيل القبض على الراقصة "نورا دانيال"    ارتفاع ضحايا حادث انهيار عقار بالشرقية إلى 4 وفيات و7 مصابين    غدر الذكاء الاصطناعى    جولة لوزير الآثار بالمتحف اليوناني الروماني وقلعة قايتباي    لإحياء مواهب الشباب..انطلاق الأسبوع الثقافي بالإسماعيلية    تعرف على آخر مستجدات الحالة الصحية للفنانة أنغام    وفاة ابن شقيقة المطرب السعودي رابح صقر    صورة- عمرو دياب مع منة القيعي وزوجها على البحر    ما ثواب صلاة الجنازة على أكثر من متوفى مرة واحدة؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    النائبة آمال عبدالحميد بعد جدل تعديل مواعيد العمل: الناس فهمت غلط    في يومه العالمي- متى تسبب لدغات البعوض الوفاة؟    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة لقرية التقدم بالقنطرة شرق    إيران تدرس إرسال وفد إلى فيينا لاستئناف المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    النائب محمد أبو النصر: رفض إسرائيل مبادرة وقف إطلاق النار يكشف نواياها الخبيثة    وزير الصحة يتفقد مستشفى الشروق ويوجه بدعم الكوادر الطبية وتطوير الخدمات    الأوقاف تعقد 681 ندوة بعنوان "حفظ الجوارح عن المعاصى والمخالفات"    خالد الجندى يوضح الفرق بين التبديل والتزوير فى القرآن الكريم.. فيديو    وكيل تعليم الغربية: خطة لنشر الوعي بنظام البكالوريا المصرية ومقارنته بالثانوية العامة    بيع مؤسسي يضغط سوق المال.. والصفقات تنقذ السيولة    صلاح: التتويج بالبطولات الأهم.. وسنقاتل لتكراره هذا الموسم    جوارديولا يوضح موقف مانشستر سيتي من التعاقد مع دوناروما ويكشف عن خططه لحراسة المرمى    البرديسي: السياسة الإسرائيلية تتعمد المماطلة في الرد على مقترح هدنة غزة    الرئيس الفرنسي: يجب تثبيت وقف إطلاق نار دائم في غزة    طب قصر العيني يطلق برنامجًا صيفيًا لتدريب 1200 طالب بالسنوات الإكلينيكية    كنوز| 101 شمعة لفيلسوف الأدب الأشهر فى شارع صاحبة الجلالة    خلال اتصال هاتفى تلقاه من ماكرون.. الرئيس السيسى يؤكد موقف مصر الثابت والرافض لأية محاولات لتهجير الشعب الفلسطينى أو المساس بحقوقه المشروعة.. ويرحب مجددًا بقرار فرنسا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية    النائب علاء عابد: المقترح «المصري–القطري» يتضمن بنود إنسانية    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    تحرير 7 محاضر لمحلات جزارة ودواجن بمدينة مرسى مطروح    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    خلال تفقده لأعمال صيانة وتطوير المدينة الجامعية.. رئيس جامعة القاهرة يؤكد الالتزام بأعلى معايير الجودة    بيع 11 محلًا تجاريًا ومخبز بلدي في مزاد علني بمدينة بدر    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    الليلة.. إيهاب توفيق يلتقي جمهوره في حفل غنائي بمهرجان القلعة    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الأربعاء 20 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    الزمالك: منفحتون على التفاوض وحل أزمة أرض النادي في 6 أكتوبر    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    تعرف على حالة الطقس اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    أحمد ياسر: كهربا يمر بظروف صعبة في ليبيا... ولا يصلح للعب في الأهلي والزمالك    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    انطلاق القطار السادس للعودة الطوعية للسودانيين من محطة مصر (صور)    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    إيزاك: النادي يعرف موقفي منذ فترة.. وعندما تكسر الوعود لا يمكن للعلاقة أن تستمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب العمومي

واحد من الأدوار التي يرفضها بعض الكتاب من جيلي ومن الجيل التالي هو دور الكاتب العمومي، المتحدث باسم الشعب، المهموم بقضايا الشعب. لا يمنعهم هذا العزوف عن المشاركة في الوسط الثقافي، الاشتراك في ندوات ومؤتمرات، الادلاء بأحاديث للصحف، ممارسة النقد من وقت لآخر، النشر علي الانترنت أحيانا، إلخ. الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية - الأدبية وغير الأدبية - أصبحت منفذ الاتصال بالناس، يكاد يكون المنفذ الوحيد الذي يتمتع بنوع من الدوام في حياة الكاتب، وهو لا يتطلب بالضرورة لقاء مباشرا بالقراء، بل يمكن التنازل عن لقاء القائمين علي هذه الصحف والجرائد أنفسهم، حيث يتم إرسال المادة المكتوبة بالإيميل وهو ما يفعله معظم الكتاب الروائيين.
مفهوم عزلة الكاتب تغير أيضا، لم تعد العزلة الكاملة ممكنة بسبب الاتصال الدائم بالعالم الخارجي عبر الانترنت، ولم تعد مبررا للتمييز بين كاتب عمومي "مهموم بالقضية" وكاتب ذاتي "غير مهموم". يتلامس مضمون النصوص المكتوبة مهما كان تطرفها فنيا مع واقع ما، مع تاريخ ما، عام أو شخصي. للناقد الحق في رصد هذه العلاقة وتأويلها، وللكاتب الحق في رفض التأويل أو التجاوب معه. لكنها ليست عزلة خالصة تلك التي يدعيها الكتاب أحيانا للابتعاد عن الناس والتفرغ للكتابة. هي عزلة مؤقتة بحساب الزمن، حتي لو كانت متغلغلة في الروح بمقياس الطبيعة النفسية للكاتب.
ربما لا يري الكاتب العمومي نفسه منفصلا عن الناس، منعزلا في وحشته وغربته ككاتب وكفرد.... وربما يعتبر التاريخ العام أهم بكثير من التاريخ الشخصي فيتعمد الدفاع عن الموقف العمومي وتسفيه الموقف الخاص أو الذاتي. جيل دولوز كان واحدا ممن سفهوا تلك الذاتية الفرويدية. في كافة الأحوال، يعتبر رصد ملامح من التاريخ الشخصي في الكتابة محاولة للإجابة عن سؤال "من أنا؟"، وهو سؤال وجودي وحيوي يطرحه الكتاب جميعا علي اختلافهم من خلال شخصيات متخيلة أو استنادا لذاكرة جمعية أو بناء علي تجربة ذاتية لا يترددون في الانتساب إليها...
الإجابة عن سؤال الأنا تنحصر أحيانا في نوع أدبي بعينه مثل أدب السيرة الذاتية (والفكرية) وأدب المراسلات وأدب الاعترافات. وفي أحيان أخري كثيرة لم يكن الكاتب روائياً بالمعني التقني للكلمة، فسارتر ومن قبله نيتشة علي سبيل المثال كتبا تاريخا ذاتيا يتقاطع مع سيرتهما الفكرية ويفسرها، كما أن مراسلات فان جوخ لأخيه تيو تندرج تحت نوع المراسلات الأدبي رغم كونها لا تعد أدبا صرفا، واعترافات سان أوجستان ليست أدبا بالمعني المتعارف عليه لكنها تنتمي لهامش الجنس الأدبي.
المشكلة النقدية التي تواجهها تلك الأنواع والكتاب المشار إليهم تتعلق بفكرة زائفة تخص الانتماء والبيوريتانية، الانتماء لقبيلة الروائيين دون غيرها وإقصاء من عداهم من دائرة الكتابة الروائية، وبيوريتانية وحذلقة النقاد القائمين علي تحليل وتفسير وتصنيف الكتابة إلي أنواع وتصنيف الأنواع وفقا لتراتبية من خارج المتن الأدبي، تترأسها -في اللحظة الراهنة - الرواية فيما تقع أشكال السيرة الذاتية في أسفل السلم ويواجه كتابها بنوع من الحذر.
قسم هام من أقسام الرواية العالمية الآن، وبشكل مطرد منذ التسعينيات، يلح في طرح هذا السؤال، سؤال ظاهره نرجسي وباطنه قلق وجودي لا إجابة عنه، سؤال عن ماهية وحدود هذه "الأنا"...أنا الروائي الكاتب التي تتوزع عادة في أنوات أخري، منها أنا الراوية الذي يحكي حدوتة تبدو وكأنها شخصية، ثم نجد هذه الأنا وقد تحولت إلي "هو"، وكأن ضمير الغائب يكشف عن تعدد وازدواج الأنا الواحدة في لعبة مرايا شديدة التعقيد. بالطبع تبدو تلك الصيغة الروائية وكأنها تقف في مواجهة مستمرة وعنيدة مع التاريخ (ما يسمي بالقضايا الكبري أو نماذج الحكي الكبري)، ولكنها لفرط إغراقها في تجاهله تجدها أحيانا تعلق عليه بشكل غير مقصود، بمرارة أو بحنق. رفض التاريخ موقفاً تاريخياً... بمعني أن قراءته في سياقه التاريخي لا يقلل من أهميته كموقف فني وإدراكي. تعاملي مع التاريخ الشخصي بدأ بصيغة شبه مرضية، ليس لأفهم من أنا، ولكن لأربط نفسي بالحياة من جديد، لأقاوم هاجس الموت الذي أطبق فجأة علي حياتي وجعل الكتابة منفذا وملاذا. "دنيازاد"، روايتي الأولي التي أعتبرها رواية سيرة ذاتية، رواية مكتوبة بدافع الهروب، لكنها تغازل إمكانية العودة للحياة الطبيعية ، رواية مقاومة بمعني من المعاني.
صحيح أن الشخصية الرئيسية فيها تموت منذ السطور الأولي ولا نراها حية أبدا في الرواية، إلا أن موتها يثقل علي الراوية/أنا/الأم، هذا الموت المفاجئ تحول من خلال الكتابة لإمكانية حياة. الطفلة التي تموت في رحم الأم لحظة ميلادها تحيا في الرواية، من خلال الرواية، تحمل اسما أو عنوانا.
"ميكي" الشخصية الرئيسية في رواية "هليوبوليس" ولدت في نفس البيت الذي ولدت فيه، في نفس اليوم والساعة التي ولدت فيها، باسم قريب الشبه من اسمي، فاسمها الأصلي "ماهي"، لكنها ولدت لأم وأب وعائلة ليسوا أمي وأبي وعائلتي. وكثير من الأحداث التي تمر بها لم أمر أنا بها بالضرورة. السؤال هنا موجه لفهم الشخصية، "من أنت؟" والإجابة عنه تتخذ أشكالا متعددة، درجات متفاوتة من الدقة والواقعية: أنت من تتوق للصعود، أنت من تفضل العوم علي الثبات، أنت من تهوي اللعب.
في الرواية، تري ميكي نفسها ويراها الآخرون مثل ماريونيت. كانت الماريونيت من وجهة نظري محاولة للتأكيد علي فكرة اللعبة، فالذاكرة والبحث عن معني ألعاب نمارسها يوميا بلا وعي. والعروسة التي تحركها أيد خفية تعي كونها ماريونيت وتستمع باللعبة بوعي بنت في الخامسة من عمرها أو بوعي امرأة تكتب في نهاية التسعينيات، والتداخل بين الشخصيات، "مي" و"ميكي" و"ماهي"، وبين الزمنين، السبعينيات والتسعينيات، تداخل مؤثر فنيا لأنه يقلب العلاقة بفكرة الكاتب (العمومي) وبالزمن (الذاتي والعام) رأسا علي عقب. ولولا هذا القلب أو الانقلاب الدائم لما كان للأدب ضرورة في حياتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.