لم تعد المسئولية الاجتماعية للمشروعات الاستثمارية والمنظمات الربحية نوعاً من الترف الاقتصادي أو النشاط الترويجي الذي تمارسه بعض المنظمات ، ولم يعد كذلك "اختياراً" في ظل التطورات التي شهدتها النظرية الاقتصادية ، وإنما أصبح "أولوية" و"فرضاً" لكثير من المؤسسات ، خاصة أن العوائد المترتبة علي هذا التوجه أكبر بكثير من العواقب المترتبة علي التخلي عنها . وقد نشرت بعض الصحف يوم 25 فبراير خبراً مفاده أن رئيس بنك التعمير والإسكان فتحي السباعي قد قرر تخصيص بعض المشروعات للمقاول الصغير ، وكذلك إسناد بعض أعمال التشطيبات ضمن مشروعات البنك لمشروع المقاول الصغير .. ودعا رئيس البنك المشاركين في مشروع "المقاول الصغير" الذي أعلن عنه الصندوق الاجتماعي للتنمية ، للتوسع في فتح أسواق جديدة وتكوين شركات فيما بينهم لمنح هذه الكيانات القوة في السوق العقارية. ويكشف هذا الخبر عن توجه جديد في طريقة عمل بنك التعمير والإسكان من ناحية ، وقطاعات الاستثمار والتمويل البنكي من ناحية أخري .. كما يكشف عن طريقة جديدة في النظرة الاقتصادية للمشروعات الصغيرة وقدرتها علي تحريك العجلة الاقتصادية الكبيرة ، وعلي تشحيم التروس الاقتصادية المختلفة ، وتسهيل عملها . ويقدم هذا التوجه نموذجاً لمفهوم المسئولية الاجتماعية لبنك التعمير والاسكان ، ذلك المفهوم الذي تطبقه كثير من المؤسسات والكيانات الكبري في الخارج ، احساساً منها بأن لها دوراً يجب ان تؤديه للمجتمع ، وأن عليها واجباً نحو الأفراد .. وأن نسبة من مشروعاتها واستثماراتها يجب ان يتم توجيهها لخدمة الكيانات الناشئة ، لمساعدة القطاعات الأشد احتياجاً لهذه الاستثمارات . كما تعكس هذه المبادرة من جانب رئيس البنك إدراكاً لأهمية استيعاب طاقة الشباب ، وتوجيهها ، والاستفادة منها .. وبذلك فهي ترسخ الاحساس بالانتماء لدي هؤلاء الشباب ، وتعمق مشاعر التوحد مع مشكلات المجتمع .. فعندما يشعر الشاب أن هناك من يمد اليه يد المساعدة وأن هناك من يشجعه ، وأن هناك من يساعده ويقف بجانبه ، لا شك أن ذلك يجعل هذا الشاب يشعر بالدين للمجتمع ، وبالوفاء لرموزه . ويمثل هذا التوجه لبنك التعمير والإسكان نموذجاً لما يجب أن تقوم به البنوك والمؤسسات الكبري في مصر ، ودعوة لها للمشاركة في هموم المجتمع وفي حل قضاياه .. وفي توجيه بعض استثماراتها نحو خدمة قطاعات معينة تحتاج لذلك ، بغض النظر عن نسبة الأرباح التي يمكن تحقيقها من جراء ذلك ، وبغض النظر عن المكاسب التي تعود عليها .. وأخيراً ، فإن هذه المبادرة التي طرحها بجرأة وبوعي وبمسئولية فتحي السباعي ، تشير الي أن العمل الحر هو السبيل الوحيد للقضاء علي البطالة في مصر ، وأن علي الشباب أن يبحثوا عن مستقبلهم بعيداً عن نظرية الوظيفة الميري التي عفا عليها الزمن ، وبعيداً عن التطلع لأن يصبح الشاب من ذوي الياقات البيضاء .. فالمستقبل لا يتم بناؤه إلا من خلال العمل الجاد.