جوازات السفر المزورة التي استخدمها رجال الموساد في عملية اغتيال المبحوح لن توقع إسرائيل في أزمات دبلوماسية أو غير دبلوماسية مع الدول التي زور الموساد جوازات سفر خاصة بها، فهذه ليست المرة الأولي التي يستخدم فيها رجال الموساد جوازات سفر أوروبية وكندية مزورة.. الموساد له باع طويل في هذا الأمر، وله سوابق عديدة في مجال تزوير جوازات السفر التي يستخدمها رجاله وعملاؤه سواء في عمليات اغتيال أو عمليات أخري، ولم تشهد العلاقات بين إسرائيل وهذه الدولة توترًا حادًا هدد الدعم والمساندة التي يلقاها الإسرائيليون من هذه الدول، ويؤكد ذلك أن الانحياز الأوروبي والكندي للسياسة الإسرائيلية مازال موجودًا ومستمرًا، لدرجة أننا نجد هؤلاء الأوروبيين يشاركون الأمريكيين الرأي في الضغط علي السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين بدون تجميد الاستيطان، كما أن بعض هؤلاء الأوروبيين هم الذين عطلوا اقتراحًا سويديا للاعتراف الأوروبي بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. لكن جوازات السفر المزورة هذه التي استخدمها رجال ونساء الموساد في اغتيال المبحوح سوف توقع الموساد في مأزق حاد وستعرض علاقاته لأزمات حادة مع أجهزة مخابرات الدول التي زور الإسرائيليون جوازات سفر خاصة بها.. ولعل قادة الموساد الحاليين يذكرون الأزمة التي نشبت بين جهازهم وجهاز المخابرات البريطانية علي أثر الحادثة الشهيرة قرب نهاية الثمانينيات من القرن الماضي التي نسي خلالها عميل للموساد ثمانية جوازات سفر بريطانية في أحد أكشاك التليفون في بون، تبين أنها مزورة بمعرفة الموساد، وكانت معدة ليستخدمها عملاء الموساد الذين كانوا يخططون لقتل قائد القوة 17 بمنظمة التحرير الفلسطينية عبدالرشيد مصطفي.. وعلي أثر ذلك توقفت علاقات التعاون بين جهازي المخابرات البريطاني والإسرائيلي لعدة سنوات شهدت خلالها طرد عملاء للموساد في بريطانيا. ولعل رئيس الموساد الحالي مازال يتذكر الإهانة التي تعرض لها رئيس الموساد الأسبق شيتاي شافيت في بداية التسعينيات والذي استدعته السلطات الكندية إلي أوتاوا للاعتذار عن استخدام عملاء الموساد جوازات سفر كندية مزورة في عملياتهم.. ولم يقتصر الأمر علي هذا الاعتذار فقط، إنما ارتبكت العلاقات بين جهازي المخابرات الإسرائيلي والكندي لسنوات طويلة. والأغلب أن هذا سيتكرر حدوثه بعد الفضيحة الجديدة للموساد لاستخدامه جوازات سفر أوروبية وكندية مزورة.. سوف ترتبك وتتوتر علاقات الموساد مع عدد من أجهزة المخابرات الأوروبية والكندية. الفارق بين ما حدث من قبل وحدث مؤخرًا في عملية اغتيال المبحوح هو أن الفضيحة لم تقتصر علي جوازات سفر مزورة لدولة واحدة وإنما التزوير الآن شمل جوازات سفر منسوبة لعدد من الدول في وقت واحد.. وبذلك سوف تتوتر العلاقات بين الموساد وعدد أكبر من أجهزة المخابرات الأخري في وقت واحد.. وبالقطع سوف يؤثر ذلك علي أداء الموساد لعملياته الخارجية.. ولعل ذلك يفسر لنا سر الحملة التي يتعرض لها قادة الموساد حاليا من قبل الصحافة الإسرائيلية.. فرغم نجاح عملية قتل المبحوح بتحقيق الهدف منها، وتمكن من شاركوا فيها من الهروب والإفلات من قبضة أجهزة الأمن في الإمارات إلا أن هذه العملية تسببت في إيقاع جهاز المخابرات الإسرائيلي في أزمة حادة جدًا. وخطورة هذه الأزمة أن جهاز الموساد منذ إنشائه قبل ستين عامًا مضت وهو يعتمد في عملياته الخارجية علي شبكة علاقات وثيقة ومتينة نجح في نسجها مع عدد من أجهزة المخابرات في العالم.. في أوروبا وأمريكا وآسيا، وعلي تعاون وثيق مع هذه الأجهزة، مثلما كان يعتمد أيضًا علي اليهود في جميع أنحاء العالم.. وكل العمليات التي يتباهي بها الموساد كانت درجة التعاون كبيرة مع جهاز مخابرات آخر أو أكثر.. ولذلك حينما تهتز علاقاته علي هذا النحو بعدد من أجهزة المخابرات في أوروبا وكندا فإنه صار في مأزق كبير. لكن المؤكد أن هذا المأزق لن يمنع الموساد من الاستمرار في عمليات الاغتيال لأن الاغتيال يمثل عقيدة مخابراتية واستراتيجية له.