"بقلم أنور السادات.. قصص أدبية ومقالات صحفية" عنوان آخر كتاب صدر للدكتور خالد عزب بالاشتراك مع الباحث عمرو شلبي، اهتمام المؤلفين بالسادات، عصره، أحداثه، وأخيراً كتاباته الصحفية والأدبية ليس جديداً. الدكتور خالد عزب، في عمله بمكتبة الإسكندرية، تولي مسئولية موقع ذاكرة مصر المعاصرة، ثم أصدر مجلة بهذا الشأن، وتولي إنشاء موقع إلكتروني خاص بالرئيس السادات، مليء بالوثائق والصور، والخطب، الخ. الكتاب شيق، لأن قراءة مقالات صدرت منذ نحو خمسين عاماً، أو مايزيد عملية مسلية، خاصة إذا كانت بقلم سياسي بارع، ورئيس دولة سابق هو أنور السادات، قلمه رشيق، وحسه السياسي حاضر، لا تنقصه جرأة الاشتباك، ودهاء المغامرة، وقبل ثورة 1952، مر السادات بتجربة سياسية مثيرة، من ضابط، إلي سجين، وعتال إلي محرر صحفي بمجلة المصور بمعاونة الكاتب المعروف إحسان عبد القدوس ثم كان له أن يتولي أمر دار التحرير وإصداراتها بعد تأسيسها. من ملامح كتابات السادات قدرته الحكائية والاشتباكية، في معرض مقالاته عن الإخوان المسلمين، نجد في كتاباته خاصة بعد الصدام بين مجلس قيادة الثورة والإخوان المسلمين عام 1954، اتهامات لهم باستغلال الدين، والقوامة علي الناس، والانتهازية، ورغبتهم في العمل السري والتنظيمات والتشكيلات الخاصة كأنهم أمة أخري، خاصة بعد أن قام الشعب بثورته. في هذه المقالات يري السادات أن الإخوان يريدون اختطاف الدين، رافضاً حقهم في العمل السري خاصة بعد أن قامت الثورة وربما كان السادات هو الأقدر بين أعضاء مجلس قيادة الثورة علي الاشتباك مع الإخوان المسلمين، ليس فقط لكونه واحداً ممن تعاطفوا، وساندوا، ووقفوا بجوار مؤسس الجماعة حسن البنا، ولكن لأن الثقافة الدينية، والمناورة السياسية حاضرة لديه. ومن ملامح كتاباته أيضاً الخبرة التاريخية، والقدرة علي استدعائها وتوظيفها في الأحداث المختلفة، مع قدر من الخطابية والشعبوية السياسية، نلمح ذلك بوضوح في كتاباته حول ثورة يوليو 1952م مثل قوله عن الجيش "لم يكن جيش مصر أجنبياً عن أبنائها، لم يكن جيشاً من المماليك أو المرتزقة، ولكنه كان جيشاً من الشعب مشاكله هي نفس مشاكل الشعب". ويتحدث عن التدين قائلاً: "شعب مصر شعب مؤمن متدين، ولكن الإيمان والتدين شيء، ومحاولة استغلال هذه الحقيقة في الشعب استغلالاً يحولها عن الغنيمة السامية منها تحويلاً كاملاً شيء آخر" ويضيف "الإيمان والتدين أصيلان في طبيعة شعب مصر، والاتجار بالدين شر مستطير يخلق للدين أهدافاً غير أهدافه، ويجعل منه عاملاً رجعياً يستتبع الجمود والتحجر ويفسد الجماعات"، ويقول عن الملك "عرض الملك عرشه في الطريق فلم يتقدم لإنقاذ هذا العرش أحد من أبناء شعب مصر"، ويضيف "أحزاب الأقلية التي لم تحلم يوماً بالوصول إلي مقاعد الحكم عن طريق انتخابات نزيهة بريئة من التزوير، وكانت هذه الأحزاب منذ نشأت تعرف أن طريقها إلي الحكم هو الإيقاع بين حزب الأغلبية والملك، والاعتماد علي قوي السلطة المحتلة، والسلطة الداخلية في حكم البلاد.. أما حزب الأغلبية فقد أغرق في الفساد، وداخله شياطين الشهوة فضم إليه الإقطاعيين والسماسرة.. لقد تمثلت ديكتاتورية الأغلبية في أبشع صورها، وأصبح من العبث التفكير في إصلاح هذا الحزب بعد أن قوض بنفسه الأساس الشعبي الذي يقوم عليه.." ويصف السادات في كتاباته الشعب بالمسكين، الذي كان يعاني من "سياط الإقطاع والملوك والطغاة وجيوش الاحتلال، وأمراض التردد ومنها النفاق، ومنها الاستسلام للواقع، ومنها الخوف، ومنها.. ومنها.. ومنها" الكتاب ممتع، وشيق، ويحوي العديد من المقالات، والقصص القصيرة التي ترجمها السادات، وهي فيها كثير من الإيماءات التي تكشف عن شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، الذي جمع بين الثقافة، والدهاء السياسي، والشعبوية الخطابية، والقدرة علي الاشتباك مع الأحداث.. الكتاب فيه كثير من التوثيق، قليل من التحليل، كنت أتمني أن ينهي المؤلفان كل فصل من فصول الكتاب الذي بين أيدينا ببضع صفحات تحلل نص المقالات المنشورة في كل فصل، تقف عند الكلمات المستخدمة، القيم التي يستدعيها السادات في كتاباته، والرموز والإيحاءات، كل ذلك يساعد في فهم ملامح هذه الشخصية، التي نري كل يوم فيها الجديد. وإن كنت أحد الذين نشأوا في عصر السادات، خاصة في نهايته، حيث اشتدت الفتنة الطائفية، والعنف، والتطرف في المجتمع، وكل ذلك يعزي إلي سياسات السادات نفسه، الذي انتقد في مطلع الخمسينيات في مقالات له الإخوان المسلمين، ثم عاد ليستخدمهم طرفاً في اللعبة السياسية في السبعينيات، المشكلة الحقيقية أن السادات تصور أنه يعرف اللعبة بكل أصولها، فقد وظف الدين في السياسة، وأدان من قام بذلك في مناسبة أخري، ولذلك زين له أن بإمكانه أن يلعب اللعبة إلي النهاية، فكانت نهايته هو شخصياً. الكتاب لطيف، شيق، وبه الكثير عن شخص السادات.