ما أكتبه الآن هو رأيي في النقابات دائما وهكذا أري عملها ولقد استخلصت هذا المعني من تاريخ النقابات في الدنيا، فالنقابات وهي تقود الإضرابات أو الاعتصامات لا تفعل ذلك من أجل تغيير نظام الحكم لكن من أجل تغيير نظام العمل، هكذا ظهرت النقابات مع ظهور النظام الرأسمالي في أوروبا وأمريكا ولقد دفع كثير من النقابيين حياتهم من أجل الحصول علي مطالب العمال المشروعة والحقيقية في مواجهة رجال الأعمال وهكذا كان حال النقابات في مصر قبل الثورة ومنذ 1954 وهو العام الذي أعدم فيه خميس والبقري في كفر الدوار بعد إضراب عمال النسيج عن العمل أدرك الجميع ان النظام النقابي في مصر لن يعود إلي طبيعته. شيئا فشيئا صارت النقابات تابعة للدولة وخصوصا بعد إلغاء الاحزاب ثم التأميم وصار للنقابات اتحاد عام خاضع للدولة وميزانيته من الدولة ويعين رئيسه من الدولة وللأسف ظل هذا الوضع علي حاله حتي الآن رغم دخول المجتمع منذ أكثر من ثلاثين سنة عصر الرأسمالية والمشروع الخاص ولا تترك الدولة العمال وغيرهم يكونون نقاباتهم بعيدا عن هذا الاتحاد فتصبح بسيطرتها عليه موالية لأصحاب العمل وتجد نفسها كل يوم في قضايا ومشاكل لم تعد من عملها لكنها قضايا ومشاكل يحسمها الصراع بين العمال وأصحاب العمل لانه في النهاية لا يستطيع أي صاحب عمل أن يفصل كل العمال ولا يستطيع كل العمال ترك العمل. كلا الطرفين يحتاج أحدهما للآخر وعليهما أن يصلا للصيغة التي تحفظ لكل حقه وكرامته. هذا حدث ويحدث في كل النظم الرأسمالية والذين يذهبون إلي أوروبا أو أمريكا يرون كل يوم اضرابا واعتصاما في حماية الأمن ولا يطول الاضراب لأن أصحاب العمل لا يتأخرون عن لقاء قيادات العمال وشرح وإيضاح كل شيء والاستماع إلي كل شيء ثم الوصول إلي الحل السريع. الاعتصامات تطول هنا جدا وكذلك الاضرابات وتدخل الدولة طرفا فيما لا يجب أن تكون طرفا فيه ومن ثم يطمئن أصحاب الأعمال وبدورهم يضعون ودنا من طين وأخري من عجين وتبدأ اتهامات العمال بالاتصال بجهات سياسية يسارا أو يمينا أو أجنبية اذا زاد الامر وتحول الدولة الموضوع إلي سياسة وهو ليس بسياسة ومن ثم لا تنتهي المشكلات وقد يتحول هكذا إلي سياسة فعلا. للدولة وجهة نظرها أنها تشجع الاستثمار والحقيقة أن هذه من أخطائها فتشجيع الاستثمار لا يعني أن يتحول العمال إلي عبيد علي العكس أكبر تشجيع للاستثمار هو ترك العلاقة بين العمال وأصحاب العمل بينهما فقط والمستثمر الذي لا يستطيع أن يصل إلي حل لمشكلات ومطالب عماله أولي به أن يترك الاستثمار أو لابد أنه لن يستمر كثيرا وربما يختفي بعد أن يجمع ما يريد من ارباح ويترك البلاد كلها. هناك رجال أعمال كثيرون لديهم مشاريع جبارة ولا نسمع عن اضرابات عندهم ولا اعتصامات لسبب بسيط جدا أن حقوق عمالهم مصانة وتزداد كل يوم ومن ثم أيضا تصبح هذه المشروعات املا لكل الباحثين عن العمل. أكتب ذلك بمناسبة اضراب عمال الكتان الذين يعتصمون امام مجلس الشعب ومجلس الوزراء وبمناسبة وقوف اتحاد العمال ضد نقابة موظفي الضرائب العقارية الحرة التي ارادوها مستقلة عن اتحاد العمال بعد اعتصام طويل وهم لم يفعلوا إلا الصواب. يخشي اتحاد العمال ووزيرة القوي العاملة علي الاتحاد إذ ربما تتوالي النقابات الحرة ومن ثم يفرغ الاتحاد من اعضائه والحقيقة أنه يجب أن يفرغ من اعضائه ويزال من علي الارض وتتحرر النقابات وفيما بعد إذا رأت لنفسها أن تكون اتحادا ما فلتفعله، أي النقابات وليس الدولة. هل سيستمع أحد إلي هذا الكلام؟ لا اظن. لأن الدولة التي فتحت الباب واسعا للرأسمالية لا تزال تتمسك بكثير جدا من القوانين والنظم الاشتراكية ولا تنتبه ابداً إلي هذا الخلل. وزارة الإعلام الأمر نفسه ينطبق علي وزارة الإعلام التي تقريبا لا تسيطر إلا علي اتحاد الاذاعة والتليفزيون وهو ليس بالقليل. لقد فتحت الدولة الباب علي مصراعيه للقنوات الفضائية الخاصة وتمسكت هي بهذا الاتحاد الذي فيه أكثر من عشرين قناة وإذاعة ورصدت له الميزانيات الضخمة ولا يحقق مكاسب بل لا نسمع الا عن الخسائر والمديونيات التي إذا سددت تسدد من أموال الشعب اعني ضرائبه بينما القنوات الخاصة تكسب وتوزع من مكاسبها علي العاملين فيها وترتفع فيها الرواتب إلي أرقام لم نعهدها وهم أحرار. لكن الرواتب حين ترتفع في اتحاد الاذاعة والتليفزيون فهم ليسوا احرارا لانها ليست من مكاسب منظورة أو معروفة بل من ميزانيات مخصصة سلفا من ميزانية الدولة التي هي من اموال الشعب لذلك بدأ هذا الاتحاد يلجأ إلي "خصخصة "بعض برامجه وإذا كانت التجربة قد نجحت في بعض البرامج فلم ينتبه احد إلي أن هذا النجاح هنا سيؤدي إلي فشل هناك في البرامج التي لم "تخصخص" وسيثير الغيرة والحسد وستجد نجاح برنامج تم "خصخصته" يجذب اهتمام المسئولين إليه أكثر من غيره وهكذا ستجد برامج تعمل وفقا لمبادرة القطاع الخاص وحافزه وأخري تعمل وفقا للدولاب الوظيفي البطيء وبرامج تدفع مقابلاً مادياً لضيوفها وأخري لا تدفع لا لضيوفها ولا لعامليها الشباب بالتحديد وفي النهاية لو قارنت بين مايدفعه الاتحاد لمحطاته وبرامجه التي تخضع له عملا ومالا ستجده اكثر عشرات المرات مما يدفعه كفيل واحد لبرنامج يفوق نجاحه كل البرامج الأخري والأمر نفسه يمتد إلي المسلسلات وغيره من البرامج التي لا تستطيع منافسة المنتج الخاص. باختصار ستجد في النهاية أن هذا الاتحاد لا يقدم مايجتمع الناس حوله فينصرفوا حتي وإن لم ينسوا أن هناك برنامجاً أو اثنين ممتازين. اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي هو تقريبا وزارة الإعلام كلها لابد من تحريره من ملكية الدولة وهذا لا يتم إلا بإلغاء وزارة الاعلام التي لا معني لها في ظل نظام اقتصادي حر أو ما نسميه بالنظام الرأسمالي الذي تتغني الدولة به منذ أكثر من ثلاثين سنة ولا تقبل تحريره بل تصر أن يظل مشوها. حد دافع حاجة من جيبه؟ "وما رأي السيد يوسف بطرس غالي الذي يبحث عن نفقات في هذه النفقات الاشتراكية؟