بعد عقود طويلة تحت سلطة حكومات شمولية ، استطاعت جمهوريات أمريكا اللاتينية ان تلحق تدريجيا بركب الديمقراطية ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي. لكن بقي ميراث الديكتاتورية يخيم علي هذه الديموقراطيات الجديدة وإن لم يسيطر عليها كلية. فما ان تبدأ دولة في تطبيق قواعد الديموقراطية الليبرالية ورأي الأغلبية في الانتخابات، إلا وتدفع هشاشة المؤسسات وسوء الظروف الاقتصادية بالشعب إلي أن يتمني العودة مجدداً إلي الأنظمة الشمولية. وأشهر مثال علي ذلك ، الجنرال أوجوستو بينوشيه الحاكم الديكتاتوري الذي بقي جاثماً علي أنفاس شيلي علي مدي سنوات طويلة قبل أن يترك المساحة لتحول ديمقراطي "صوري"، أتي بالرئيس باتريشو أيلوين رئيساً للجمهورية. إن هذا التناقض ليس قاصراً علي أمريكا الجنوبية فقط ، لكن عملية الإستقرار والديموقراطية في هذه القارة الثرية يدعمها قرنان من النضال ضد الإحتلال بالإضافة إلي قربها من جارتها الشمالية، والإهتمام الخاص الذي توليه إليها أوروبا علي اعتبار انها أمتدادا لها في "الغرب الأقصي". ومع ذلك لم تساعد هذه العوامل كلها في خلق ديمقراطية ناضجة وتامة يمكن الاعتماد عليها لنهضة الشعوب اللاتينية. في كتابه الذي يحمل عنوان "في ظل الديكتاتوريات: الديمقراطية في أمريكا اللاتينية"، لم يتناول الباحث السياسي ألان روكييه ، الثلاثين سنة الأخيرة فقط من تاريخ هذه القارة النامية، وإن كان هذا هو ما ركز عليه ، لكنه غاص في تفاصيل الجغرافيا والتاريخ دون مواربة أو تبسيط مخل. بالإضافة إلي تحليل للحكام الحاليين لجمهوريات أمريكا اللاتينية وتوجهاتهم ونظم حكمهم والذي ينتمي أغلبهم لليسار علي رأسهم هوجو شافيز وإيفو موراليس. لكن يؤخذ علي المؤلف تجاهله التام لكوبا وحاكمها التاريخي فيدل كاسترو ومن بعده أخيه راؤول. وفي نهاية الكتاب ، يؤكد روكييه، مقتبسا مقولة للجنرال خوان بيرون ،حاكم الأرجنتين في ستينات القرن الماضي، أن "الحقيقة الوحيدة هي الواقع "، في إشارة إلي حتمية الوضع الحالي.