قال الدكتور جابر عصفور في الاحتفال الذي أقيم له تحت عنوان "شهادة تقدير"، عوضني الله عن ابنتي التي اختطفها الموت في عز شبابها بحفيدة عفريتة تتمتع بطول اللسان ورجاحة الذهن، وحينما كنت أتحدث عن ثقافتنا التي تسير إلي الأمام وعيناها في قفاها، رجعت إلي البيت فوجدت حفيدتي تصحح لي المعلومة وتقول أن العينين ليستا في القفا ولكن في الوجه، فداعبتها وهممت بشرح ما أقصد، لكنها لم تمنحني الفرصة، لذا دعوني أوضح لكم ما كنت أقصد، وهو أن ثقافتنا العربية تتعلق بالماضي أكثر بكثير من تعلقها بالمستقبل، وبالتالي تنتقل من تخلف إلي تخلف، وتصبح عرضة للتمييز الديني والجنسي والتطرف والإرهاب، وما أكثر من يمكن أن نطلق عليهم ذلك في حياتنا الإدارية والسياسية والفكرية، وهذا يغضبني كثيرا ولا يزال، ولهذا أكتب لأن المجتمع لا يعجبني. أقام المعرض في دورته الحالية تقليدًا جديدًا بعنوان "شهادة تقدير"، قدم فيه الدكتور محمد صابر عرب رئيس الهيئة العامة للكتاب درع الهيئة وشهادة تقدير، للدكتور جابر عصفور، ووصفه بالنموذج الرائد للأستاذ المصري، الذي تجاوز الجامعة واصلا إلي فقه الحياة بواقعها الاجتماعي والسياسي قائلا: "ومن أهم ما فعلت أنك أوجدت الدكتور عماد أبو غازي ليكمل مشروعك، وباسم المجتمع اسمح لنا أن نقول لك شكرا". وفي تقديمه للحفل وصفه الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة الدكتور عماد أبوغازي بأنه علم من أعلام الثقافة المصرية والعربية، وتحدث عن القضايا التي سعي فيها من أجل مستقبل أفضل للوطن: كمواجهة قوي الظلام، وقضية الحداثة والتنوير، وقضايا تحرير المرأة العربية وغيرها، ثم عرض لدوره في عبوره بالمجلس الأعلي للثقافة إلي آفاق رحبة في العمل المصري والعربي، ومد الجسور بين هذه الثقافة وثقافات العالم، خاصة من خلال مشروعه الكبير الذي انطلق عام 1995 تحت عنوان "المركز القومي للترجمة". وتحدث المترجم السوري ثائر ديب عن مفارقات عصفور راصدا ما أسماه "مفارقاته الثلاث" قائلا: "رغم تبحره في الحداثة واطلاعه علي آخر المناهج النقدية والاختراقات النظيرة في الفكر العالمي، فإن موضوع كتابته الغالب، هو قديمنا من الصورة الفنية ومفهوم الشعر عند النقاد القدماء، إلي استعادة الماضي ومرايا طه حسين المتجاورة، ومفارقته الثانية هي استعادته لرؤية الشيخ محمد عبده إلي التعليم ومراهنته عليه كاستراتيجية للتغيير في وقت تدهور فيه التعليم العربي والأكاديمي، أما مفارقته الثالثة فهي مضيه ضد التيار حيث يؤكد أن الدولة يمكن أن تلعب دورا ثقافيا، بل إنها مجبرة عليه، وأخيرا أحب الإشارة لحس دعابته المرهف وتنقله من أعالي الفكر المجرد إلي النكتة اللطيفة، ومن التشدد الفكري والإداري إلي كنف الصداقة والأخوة". وتحت عنوان "هكذا تكلم جابر عصفور" تحدث المترجم طلعت الشايب قائلا: "عصفور خطاب ثقافي جديد، فقد تحول من المذهبية النقدية بمعناها الصارم لأجواء نقدية متعددة وجمع بين الذاتي والموضوعي، ومسئولية التفاعل مع قضايا التقدم والحرية من حولنا والبحث عن حلول جذرية لقضايا التخلف، كما سعي لتعرية جذور التخلف السياسي والديني، وهو يدعو لخطاب ثقافي جديد لا يعلن به القطيعة مع الماضي لكنه يقر بوجود العناصر الإيجابية التي حفظتنا من التبعية والاستبداد. ووصف الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي عصفورا قائلا: "لم أر أحدا يحب أمه كما رأيت جابر عصفور وكذلك يحب أصدقاءه وأباه، وقد رأيته في المجلس الأعلي للثقافة أمينا وحينها طلب أن أكون في أي مكان أريد، لكني رفضت لأنني لم أرد سوي صداقتنا، وهو من طبع لي روايتي سيرة الشيخ نور الدين وكثيرا ما حماني"، وقال موجها كلامه لعصفور:" أنا يا جابر إعصار حولته أنت إلي خماسين ثم حولته لنسيم".