الأستاذة والأستاذ، مني الشاذلي ومحمود سعد، نجمان إعلاميان ساطعان كل في قناته، التقيا في لقاء قمة طويل مع الدكتور أحمد زويل العالم المصري الأمريكي الحائز علي جائزة نوبل في العلوم. في البداية، كما هو متوقع تبادلا في تواضع شديد يتسم بالعظمة المفرطة عبارات المجاملة الرقيقة شاكرين الزمن الذي جمعهما معا في تلك المناسبة النادرة. أنا أدرك صعوبة اللقاء مع نجم حقيقي لم تصنع الكاميرا نجوميته ومع ذلك كانا رائعين وذلك فيما يبدو راجعاً لاهتمامهما بالبحث العلمي. وهو الاهتمام الذي دفع العالم الكبير لأن يقول لهما مرات عديدة بابتسامته الطفولية: تسمحولي أكمّل؟ غير أنهما والحق يقال كانا يسمحان له أن يواصل حديثه الذي حاول فيه قدر استطاعته تبسيط أعقد النظريات العلمية في شكل يجعلها قريبة من الشخص العادي إلي الدرجة التي جعلته يعرض صورا فوتوغرافية متحركة علي خلفية من لحن مصري راقص فكان بذلك أول عالم علي وجه الأرض يقوم بترقيص الجينات علي واحدة ونص في تطبيق لاختراعه الذي ترتب عليه الوصول إلي الفمتوثانية. ما أصعب أن تظل علي نجوميتك التليفزيونية في وجود نجم حقيقي صنعته المعامل والجهد الشاق لسنوات طويلة لذلك كان لابد للنجمين أن يحاولا سحبه بغتة وبنعومة إلي منطقتهما وهي تلك المنطقة الشهيرة التي نلعب عليها جميعا وهي تضييع الوقت فيما ما لا يفيد. قال العالم إنه تلقي تعليما جيدا في مصر، وهنا قال له السيد محمود سعد: يعني التعليم كان جيداً أيام عبد الناصر.. فرد عليه : طبعا طبعا.. هكذا يكون الضيف الكبير قد تم سحبه بعيدا عن موضوعه، وهو حتمية الإشادة بعبد الناصر ولو علي سبيل مجاملة المذيع، لذلك كان من الطبيعي أن يحاول إحداث قدر من التوازن في إجابته فقال إنه كان عظيما وأن خطأه الوحيد كان إنه ضيع فرصة بلاتينية لعمل الديمقراطية في المنطقة العربية. في هذه اللحظة كانت الجلسة مهددة بالدمار عند محاولة الإجابة: كان حايعملها ازاي في المنطقة العربية.. مش كان يعملها هنا في الأول؟ غير أن الله سلم وعاد الرجل مرة أخري للحديث عن مشروعه العلمي الذي يريد إقامته في مصر. الواقع أن تعليق المذيع النجم كان يدفع الموقف بأكمله للوصول إلي المعادلة التالية : التعليم كان جيدا أيام عبدالناصر.. إذاً أنت حصلت علي التعليم الذي أوصلك لجائزة نوبل بفضل عبد الناصر، يعني عبد الناصر هو اللي إدالك نوبل.. وهو المطلوب إثباته. لقد حاول الدكتور زويل كثيرا دفع النجمين للحديث عن التفكير العلمي وليس عن العلم. فكل الناس تدرك أهمية العلم غير أن الأمر الصعب هو اكتساب التفكير العلمي. من المستحيل أن يكون ما تعلمه الدكتور زويل أيام عبد الناصر من صنع عبد الناصر، بالتأكيد تم إرساء قواعده منذ زمن أسبق بكثير، فالتعليم ظاهرة بشرية كما أنه عملية اجتماعية معقدة تلعب فيها القدوة دورا حاسما، ربما يشاهد طفل اليوم الدكتور زويل ويحلم بأن يكون مثله ويحصل علي نوبل ويحدث ذلك فعلا بعد خمسين سنة. الزعيم المحبوب يلقي علي الناس الكلمات، الجيدة والرديئة، الكلمات التي تشيع الحكمة والشتائم التي تشيع قلة الحياء وانعدام التهذيب، ولكن الناس لن تتحول إلي شتامين بين ليلة وضحاها أو في عدة أسابيع، لنفرض مثلا.. لنفرض أن عبدالناصر شتم ملكا في خطبة وقال إنه حاينتف له دِقنه، لنفرض أنه شتم ملكا آخر ووصفه بأنه عاهر، هنا تبدأ عملية طويلة في اللاوعي الجمعي ربما تستغرق أربعين عاما لكي تكتشف أن الناس في مجلس الشعب تشتم بعضها البعض شتائم جارحة لا يحتمها أي موقف. ما تفعله الآن ، أنت تعلمته منذ زمن بعيد جدا. بعد حصوله علي نوبل مباشرة طلب منه أن يحاضر أطفالا في السابعة من أعمارهم، فدخل عليهم ومعه ساعة كبيرة علقها علي الحائط، وكوب ماء وضع فيه قطعة ثلج وبعد ذوبان الثلج أخرج ورقة بمائة دولار وقال للأطفال: مائة دولار لمن يعيد عقرب الساعة ويعيد قطعة الثلج لما كانت عليه. قال الدكتور زويل إنه استطاع بهذه الطريقة الحصول علي انتباههم، الواقع أنه فعل أكثر من ذلك،لقد أدرك الأطفال في هذه السن الصغيرة أنه لا توجد طريقة لإعادة الماضي بعد أن تحول إلي ماض، وأن قطعة الثلج عندما تذوب تختفي إلي الأبد. لقد تحدث الدكتور بشكل طيب عن السيد أردوغان وقال إن مستوي المعيشة ارتفع في تركيا بدرجة عالية بفضل الأسلوب العلمي في حل المشاكل، غير أن السيدة مني أضافت في إعجاب وبلهجة مؤثرة إنه قال للعالم المصري الأمريكي: نحن نحترمك ليس لعلمك ولا لجائزة نوبل بل لأنك مسلم نحن نفخر بك. السيد أردوغان حر فيما يقوله للآخرين، ولكن علينا عندما ننقل هذه الكلمات للناس في مصر أن نكون شديدي الوعي بتأثير الكلمات علي الناس في ظروف معينة. نحن في مصر نفخر بالعالم الكبير لأنه مصري قدم إنجازا عظيما للبشرية. أو علي الأقل هذا ما أفخر أنا به، وتفخر به مصر ويفخر به الدكتور زويل.. وما يجب أن تفخر به السيدة مني.