لو كنت في موقع الوزير أحمد أبوالغيط وزير الخارجية المصرية، لوضعت قواعد المفاضلة عند اختيار سفرائنا في أفريقيا لتقدم أكفأ العناصر السياسية والدبلوماسية وأقواها علمًا وخبرة، ولا اعتبرت من الخطر والخطأ البين أن نصنف سفراء أفريقيا من المرتبة التالية لسفرائنا في أمريكا وأوروبا وغيرها من الدول المتقدمة، ومن الخطأ كذلك أن نترك سفراءنا في القارة السمراء.. دون إجراء مشاورات معهم أو لقاءات أو متابعة لأنشطتهم ونتائج أعمالهم في اجتماعات دورية متتالية لمعرفة ما تم منها وما صادفها من عقبات، بل ومن الخطر أن نعتبر أو يعتبر السفراء أنفسهم أن مدة خدمتهم في أفريقيا فترة غضب أو جزاء حسابًا.. حتي تنتهي تلك المدة الأفريقية ليعودوا بعدها إلي أرض الوطن وقد قضوا مدة التجنيد أو العقاب في منطقة أفريقيا!! ولو كنت مكان وزير الخارجية أيضا لما تركت سفراءنا في أفريقيا يقضون خدمتهم أو معظم إقامتهم في القيام بالعلاقات العامة أو الخاصة، لمقابلة رؤساء الوفود، والاهتمام بأشخاص بعينهم مجاملة وربما نفاقا وزلفي، بغير معرفة لدقائق أعمالهم ومسئوليات جماعة الوفود، والأعضاء فيها. ومما يتعين معه متابعة نشاطهم في أفريقيا وحصاد أعمالهم فيها.. بل وأن تعرض أنشطتهم علي مجلس الوزراء لدراسة نتائج الخطة الدبلوماسية المصرية الأفريقية، والتي تحمل الأهداف والسياسات المصرية تجاه أفريقيا، بحسبانها تقع في مرتبة عليا من التنمية والأمن القومي في ذات الوقت. ولو كنت مكان وزير الخارجية المصرية كذلك لكان الاهتمام بالزيارات الدورية إلي أفريقيا تلك القارة الواعدة، أكثر من الاهتمام بالسفر إلي أوروبا وأمريكا.. ولكانت الزيارات المكوكية إلي تلك المناطق الغنية الساحرة بطبيعتها، حتي ولو كانت فقيرة في مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية لأنها تحقق فرصًا لا تعوض!! أكتب ذلك بمناسبة ما شاهدته علي الطبيعة في زيارة لإحدي الدول الأفريقية أوغندا بالعاصمة كمبالا.. بمناسبة انعقاد مؤتمر اتحاد برلمانات الدول الإسلامية في بداية انعقاد دورته السادسة الأسبوع الماضي.. وبحضور ممثلي برلمانات 52 دولة إسلامية، وكانت رئاسة الجلسة لمصر وأيضا بمناسبة ما نشرته الصحافة عن افتتاح أعمال الدورة الرابعة عشرة لقمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا التي جمعت 53 دولة بالتمام والكمال وحضرها الوزير أحمد أبوالغيط ممثلاً للرئيس مبارك علي رأس وفد عال من الخارجية المصرية ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يوم الأحد الماضي وقد اختتمت أعمال الدورة الرابعة عشرة لقمة الاتحاد الأفريقي تحت شعار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحديات وآفاق التنمية في أفريقيا.. وقد عرض فيها الوزير وجهة نظر مصر ورؤيتها حيال العديد من الموضوعات والقضايا المطروحة علي القمة في مجالات الطاقة والتعليم وتكنولوجيا الإعلام والاتصال والزراعة وغيرها. أقول بذلك دعوة للاهتمام بالدبلوماسية الأفريقية لأن مصر لم تكن غائبة عن أفريقيا - طوال عهدها - ومنذ قديم، حيث شاركت في تأسيس وإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في بداية الستينيات أي قرابة نصف قرن من الزمان، كما أسست الصندوق المصري للتعاون الأفريقي وظلت تحرص دومًا علي الاستقرار والسلام في المنطقة باعتبارها من أولويات سياسة الأمن القومي بما في ذلك الحق في التنمية والحفاظ علي الشرعية الدستورية. والسؤال الذي يطرح نفسه هل تغيرت سياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا بحيث نعتبرها من الدول المهمشة وسط العالم، وأن اختيار السفراء الموفدين إليها الأقل كفاية، وأنهم يعتبرون أنفسهم في عزلة عن العالم المتقدم؟ أو إهمالاً لمسئولياتهم أم ماذا!! أقول ذلك لأن بلدًا مثل أوغندا التي تقع بها منابع نهر النيل وبداية شريانه من بحيرة فكتوريا، وتمتع بجمال الطبيعة والموقع الفريد في قلب أفريقيا، لا يمكن أن تستمر علي حالها في ظروف صعبة من التنمية والاستثمار، حال كونها منطقة خصبة للأسواق وفتح قنوات الاتصال لمختلف الأنشطة والأعمال رغم اجتياح مواطني الصين والهند لها، فإن سفراءنا هناك يعملون بدبلوماسية محدودة للغاية وإمكانات صعبة.. فلا أتصور أن تظل السفارة في كمبالا يعمل بها السفير المصري ومستشار دبلوماسي واحد وسكرتير أول وسكرتير ثالث فقط!! رغم مسئوليتها في استقبال الوفود والخبراء في مجالات الري والزراعة وغيرها، وتحملها مسئولية تشييد مبني جديد للسفارة المصرية وبما يتطلب جهدًا كبيرًا ومتواصلاً.. فهل هذا معقول؟! إذا كان الأمر كذلك، كان علينا أن ندق ناقوس الخطر.. لأن أفريقيا هي القارة الواعدة وتتجه إليها عيون العالم، وبالنسبة لمصر أولي وأشد لأنها سوف تظل دائمًا هي الأمن والاستقرار والتنمية سواء بالنسبة للثروات الطبيعية أو المساحات الشاسعة أو في التنمية والتدريب والاستثمار في ظل الارتباط التاريخي بين دولتي المنبع والمصب لشريان الحياة نهر النيل. ويتطلب ذلك الاهتمام باختيار السفراء إلي أفريقيا من حيث الكفاءة وثبات الشخصية والفطنة، كما يتطلب أيضا الاهتمام بأعضاء السفارة من الدبلوماسيين والسياسيين وتدعيم إمكاناتها، وكذلك الإداريين حتي تنهض بمهامها في مجالات عديدة منها الري والزراعة والاتصالات والتنمية وغيرها وبما يتطلب دعوة رجال الأعمال للدخول إلي الأسواق الأفريقية، كما أن الدعم الرسمي مهم مع فتح قنوات الاتصال لتسهيل نشاطهم من أجل استعادة الاستقرار والحفاظ علي المشروعية الدستورية. اهتموا أيها السادة بأفريقيا.. واختيار سفرائها، وتدعيم امكاناتها، وكفاكم تجاهلا واهمالاً من خلال السنوات الماضية!!