في نفس هذا اليوم عن عمر يناهز الخامسة والسبعين، رحل الكاتب الكبير فتحي غانم في الثاني من فبراير سنة 1999، ولم يكن غيابه هذا إلا خسارة فادحة للأدب والصحافة، فهو روائي من طراز فريد، أثري الإبداع المصري بروائع لا تُنسي، منها: "الجبل"، "الغبي"، "تلك الأيام"، "الساخن والبارد"، "الرجل الذي فقد ظله"، "حكاية تو"، "بنت من شبرا"، "زينب والعرش"، "قليل من الحب كثير من العنف"، "الأفيال"، أما عن دوره الصحفي فيتجلي في المناصب القيادية العديدة التي تولاها في عدد من المؤسسات الصحفية، بداية ونهاية ب"روزاليوسف"، بيته الأول والأثير، مرورًا بوكالة أنباء الشرق الأوسط ودار التحرير. تحولت بعض روايات فتحي غانم إلي أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية ناجحة، ولم يكن صدقها المتوهج، المتكئ علي مزيج نادر من البساطة والعمق، إلا تعبيرًا عن السمات الأكثر أهمية في عالم الكاتب العملاق، فهو ذو نظرة شاملة بلا ادعاء، وشاهد علي العصر وتحولاته بلا زعيق أو ضجيج، وليس مثله في رصد أحوال الصحافة المصرية، قبل التأميم وبعده، وما أصابها من تغيير وشابها من صراعات. لم يكن فتحي غانم ممن تصنع المناصب والوظائف أسماءهم، وإلي الأيام الأخيرة من عمره الحافل بالعطاء، احتفظ بتوهجه ونشاطه الجاد، متواصلاً مع الواقع، وتعاطفا مع البشر الضعفاء في رحلة المعاناة التي لا تنتهي، بحثًا عن الجدوي والمعني والأمل. كثيرة هي الجوائز التي حصل عليها فتحي غانم، مصريا وعربيا، وتبقي جائزته الأسمي في ذلك الاحترام والتقدير الذي حظي به في قرائه ومحبي أدبه الإنساني الرفيع، فهم يرون فيه أنموذجا نبيلاً جليلاً للمثقف الأصيل الذي يقول كلمته في شجاعة، ويخوض أعمق وأصعب القضايا السياسية مسلحا بالدماثة والموضوعية، وتلك النبرة الهادئة من السخرية التي تضفي علي أفكاره ورؤاه مذاقًا بلا شبيه، وخصوصية لا مجال لتقليدها ومحاكاتها.