المحافظون الجدد.. صناعة أمريكية بامتياز لكنها تحمل جذورا وارهاصات أوروبية ساندها رواد التيار المحافظ في أوروبا خاصة في عهد الرئيس جورج بوش الابن، لكن اليوم وبعد رحيل جماعة الصقور عن البيت الأبيض.. كيف يتعايش المحافظون الأوروبيون مع الواقع الجديد؟ هل خفت نجمهم أم أنهم أقوياء نافذون في المجتمعات الأوروبية بالدرجة الكافية لخدمة مصالح المتطرفين ومصالح اسرائيل علي حساب المصالح العربية؟ ان الاعتقاد بأن العلاقة بين المحافظين علي ضفتي الأطلنطي تقتصر علي حرب العراق هو اعتقاد ليس في محله؛ فحتي بعد مرور 6 سنوات علي الغزو فان هناك مبادرات وجماعات تظهر في أوروبا لتعبر عن نهج محافظ يشبه كثيرا سياسات المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة. الحركة المحافظة في أوروبا تضم مراكز أبحاث ومنظمات لها ثقل في مجتمعاتها وبالامكان تقفي أثرها من خلال شبكة "ويكيبيديا" للمعرفة التي تضم صفحة خاصة للمحافظين الجدد الأوروبيين. لكن كل ذلك لا يعني أنه لا يوجد فارق بين المحافظين الجدد علي ضفتي الأطلنطي؛ فحسب خدمة مراقبة الاعلام اليميني التي يقدمها مركز العلاقات الدولية الأمريكي الليبرالي، فانه برغم أن جذور تيار المحافظين الجدد الأمريكي ترجع إلي أوروبا في القرن العشرين وترتبط بالنظريات السياسية المعادية لليبرالية، الا أن ظاهرة المحافظين الجدد هي ظاهرة خاصة بالولاياتالمتحدة.. أي أنها أمريكية خالصة.. لأن أتباعها يؤمنون بأن الجيش الأمريكي يملك مبررات أخلاقية وان كان المحافظون الأوروبيون يشاركون نظراءهم الأمريكيين في ايمانهم بالقوة العسكرية والسياسات الخارجية القائمة علي التدخل في شئون الدول الأخري ويرفضون رقابة الأممالمتحدة علي أي قوة غربية. شخصيات ومراكز أبحاث من قيادات الاتجاه المحافظ في أوروبا خوسيه ماريا أزنار رئيس الوزراء الاسباني السابق الذي نعت فكرة تحالف الحضارات بالفكرة الغبية وطالب المسلمين بالاعتذار عن احتلال اسبانيا، وآنا بالاسيو وزير الخارجية الاسبانية وأنتونيو مارتينو وزير الدفاع الايطالي السابق وكاريل شوارزنبرج وزير الخارجية التشيكي المدافع الشرس عن اسرائيل. أما علي صعيد مراكز الأبحاث الأوروبية المحافظة، فقد رصد تقرير كتبه الباحث توم جريفن أواخر العام الماضي بخدمة مراقبة الاعلام اليميني وجود عدة مراكز فكر تروج للتيار المحافظ مثل معهد دراسة الصراعات اليميني في لندن الذي تأسس عام 1970 بدعم من المخابرات المركزية الأمريكية للدفاع عما وصفوه بالمجتمعات الصناعية الحرة ضد التجاوزات الاستبدادية، وأوكلت ادارة المعهد لبرايان كروزيير الذي عمل لصالح المخابرات الأمريكية والبريطانية، بالاضافة الي المعهد الأوروبي للدراسات الاستراتيجية والدفاعية الذي أنشئ عام 1979 لدراسة التغيرات السياسية في أوروبا علي الصعيدين الاستراتيجي والدفاعي وتلقي لاحقا دعما ماليا من مؤسسة التراث الأمريكية المحافظة ضمن خطة دعم لمنظمات يمينية في أوروبا بلغت قيمتها مليون دولار للتأثير علي السياسات الداخلية. وأضيف لهذه المراكز خلال السنوات القليلة الماضية منتدي السياسة الخاص بشئون الأمن الدولي "بوليسي فورام" في لندن الذي تأسس عام 2003 علي يد ديفون جافني كروس وهي صديقة لدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق بهدف التقريب بين أفكار الأمريكيين والأوروبيين كما انه يحتفظ بعلاقات قوية مع منظمات اسرائيلية، بالاضافة إلي مركز "بوليسي اكستشينج" التابع لديفيد كاميرون زعيم المحافظين ويعد أبرز مركز أبحاث يميني في بريطانيا. في أكتوبر 2007 وتحت اشراف الأمريكي دين جودسان مدير الأبحاث آنذاك والمنتمي لتيار المحافظين الجدد، أصدر المركز تقريرا عن المساجد البريطانية خلص فيه إلي أن 25٪ من المؤسسات المستطلعة تبث مواد سياسية راديكالية، قبل أن يؤكد تحقيق لهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" أن بعض الأوراق التي اعتمد عليها البحث كانت مفبركة. التقرير يشبه إلي حد كبير تقريرا مماثلا لمنظمة "فريدوم هاوس" الأمريكية نشرته عام 2005 عن المطبوعات السعودية في المساجد الأمريكية. أوروبا المفتوحة أو "أوبن يوروب" هي مركز فكر ثان مرتبط بديفيد كاميرون ويشكك في جدوي الانضمام لكيان الاتحاد الأوروبي. هناك أيضا مركز التماسك الاجتماعي "سنتر فور سوشيال كوهيجن" الذي أنشئ عام 2007 ويركز اهتماماته علي الجالية المسلمة في بريطانيا وتطورات اندماجها في المجتمع وتحول بعض أتباعها للتطرف. وكان برنامج لتليفزيون "بي بي سي" قد صنف المركز علي أنه يجنح لليمين. تمارس بعض هذه المراكز وفق التقرير ضغوطا علي منظمات أوروبية لدفعها لاتخاذ مواقف متشددة تتماشي مع مصالح اسرائيل. وتعتبر منظمتا المشروع الاسرائيلي The Israeli project ورياليتي اي يو Realite' EU التي تروج لسياسات أوروبية عنيفة ازاء ايران والتهديدات المتطرفة الأخري التي تمثلها منطقة الشرق الأوسط، مثالين بارزين في هذا الصدد اذ مارستا ضغوطا علي الاتحاد الأوروبي لانتهاج موقف متشدد من ايران، بالاضافة إلي معهد عابر الأطلنطي Transatlantic Institute الذي أنشأته اللجنة الأمريكية اليهودية في بروكسل ليقوده ايمانويل أوتولينجي المحرر السابق في مجلة "كومنتري" الأمريكية اليهودية مطالبا أوروبا باستخدام قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والمالية لتضييق الخناق علي ايران. هناك أيضا معهد براج للدراسات الأمنية الذي تأسس عام 2002 في التشيك ومؤسسة الدراسات والتحليلات الاجتماعية في اسبانيا التي يرأسها أزنار واللذان تعاونا مع معهد أديلسون للدراسات الاستراتيجية بمركز شاليم الاسرائيلي لينظموا مجتمعين مؤتمر الديمقراطية والأمن الدولي عام 2007 الذي عقد في براج وتحدث فيه الرئيس السابق جورج بوش. منظمات تحارب "الجهاد" وبخلاف مراكز الأبحاث، فان هناك منظمة تراقب الأممالمتحدة في جنيف باسم UN Watch التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع اللجنة الأمريكية اليهودية ومهمتها مراقبة ما يصدر من انتقادات وتصريحات ضد اسرائيل في أروقة الأممالمتحدة. ومثلما عملت ديفون جافني علي تدعيم العلاقات بين المحافظين في أمريكا وأوروبا، سار شقيقها فرانك علي نفس الدرب اذ أسس مركز السياسة الأمنية الأمريكي الذي ركز جهوده علي شن حرب ايديولوجية بالتعاون مع جهات أوروبية يمينية مثل مجتمع الصحافة الحرة الدولي "انترناشونال فري برس سوسايتي" التي أنشئت مطلع العام الماضي لمكافحة الخطر الذي يهدد حرية التعبير من قبل بعض القوي الاسلامية وأحد أهم روادها الأمريكي المتطرف روبرت سبنسر كما انها تدعم جيرت فيلدرز السياسي الهولندي المتطرف، بالاضافة الي شبكة مكافحة الارهاب الأوروبية "كاونتر جهاد يوروبا نتوورك" المعارضة لأسلمة أوروبا كما تقول عن نفسها. يقول توبي آرشر المحلل الأمني في مقال نشره المعهد الملكي البريطاني في سبتمبر 2008 ان هذه المنظمات ساهمت في نمو المسار المقاوم للجهاد في أوروبا والذي بات يخلط الارهاب بالقضايا السياسية فأصبح يعمم مصدر التهديد ليشمل الاسلام نفسه وليس المتطرفين المسلمين فقط. والأخطر من ذلك كما يقول الباحث توم جريفن أن الحركة الأوروبية لمقاومة الجهاد باتت تتحالف مع منظمات يمينية لها ماضي فاشي في أوروبا مثل الحزب الديمقراطي اليميني في السويد المعروف بعنصريته وبمعاداته للمسلمين واليهود وحزب فلامز بيلانج البلجيكي الذي قضت محكمة بلجيكية بعنصريته، اذ شاركا في مؤتمر ضد الجهاد في بروكسل عام 2007 . من بين منظمي هذا المؤتمر كانت كريستين بريم نائب رئيس مركز السياسة الأمنية التي دعت في نوفمبر 2007 إلي اشراك أحزاب يمينية أخري في فرنسا وبريطانيا في جهود مكافحة الجهاد واقترحت حزب الجبهة الوطنية الفرنسي المتطرف الذي يقوده جان ماري لوبان والحزب القومي البريطاني المتطرف في بريطانيا.. بالنسبة لهؤلاء الغاية تبرر الوسيلة وهو نفس المبدأ الذي يسير عليه المحافظون الجدد الأمريكيون وان كانوا لا يمكن أن يتحالفوا مع الشيطان متمثلا في شخصيات تعبر عن عنصرية فجة لا يمكن انكارها مثل لوبان أو متطرفي بريطانيا وهذا ما يجعل المحافظون الجدد في أوروبا أدهي وأضل سبيلا!