بعد ثلاثة أيام يغادر وفد من نساء مصر القاهرة إلي جنيف في مهمة غير عادية هي عرض تقرير مصر حول اتفاقية "السيداو".. والسيداو هذه تعني القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وهذه الاتفاقية بدأ العمل عليها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وأعلنت، وفتح باب التوقيع عليها في 1 مارس عام 1980 بعد موافقة 20 دولة عليها.. أي علي التقيد بأحكامها ثم توالت الموافقات من دول العالم، وبينها مصر، التي أضافت إلي التوقيع علي الاتفاقية الدولية جهازا وطنيا آخر هو المجلس القومي للمرأة الذي أنشئ عام 2000 ليكون جهاز الدفع لعملية النهوض بالمرأة في كل اتجاه. أي "المجتمع" الذي تنطلق منه الافكار والمبادرات والخطط لتعديل أوضاع المرأة في مصر بكل الوسائل، والمجلس بهذه المهام التي هي في حقيقتها تحديات كبري لم يبدأ من فراغ فقبله عملت مئات الجمعيات الاهلية من أجل هذا الهدف. وأيا كانت فرص نجاحها، فإن المجتمع المدني في مصر "التسمية الأكثر تعبيراً عن هذه الجمعيات" له تاريخ عريق نتذكره جيداً من أيام السيدة العظيمة هدي شعراوي التي أسست جمعية الدفاع عن نساء مصر وحقهن في المساواة والعدالة والعمل لمناصرة الزعيم سعد زغلول، أي العمل السياسي، جرت مياه كثيرة بعد جمعية هدي شعراوي وظهرت أسماء أخري متعددة وعلت ثم هبطت قضية المرأة طوال ثلاثة أرباع القرن الماضي، وتوالت مطالبات باتحاد نسائي مصري قوي لكن جاء المجلس القومي للمرأة ليكون صيغة عصرية لهذا المطلب، وليمد يده لجمعيات المجتمع المدني. ولهذا سعدت بقراءة تقريرين يعبران عن مساحة من الديمقراطية تأخذ طريقها في إطار تناول قضية المرأة في مصر والعمل علي مشاركتها الفاعلة في التنمية والتأكد من تمتعها بحقوق المساواة كما نص عليها الدستور علي أرض الواقع، التقرير الاول يقدمه الوفد المسافر برئاسة الدكتورة فرخندة حسن الأمين العام للمجلس القومي للمرأة وفيه رصد لما تم انجازه علي مدي سبع سنوات "في إطار مطالبات الاتفاقية" من سنة 2001 إلي 2006، أما التقرير الثاني والذي قرأت ملخصا له فقد أعدته مجموعة جمعيات مصرية مشاركة في ائتلاف يسعي إلي تطبيق مصر للاتفاقية الدولية، مائة جمعية في مختلف محافظات مصر شاركت معا في وضع تقرير بجانب التقرير الاول، اسمه "تقرير الظل". ولأن التقرير السابق لهذه المجموعة قدم منذ 8 سنوات عام 2001 فإن "تقرير الظل" الجديد بذل جهدا كبيرا ليتابع المتغيرات في أوضاع النساء طوال هذه السنوات، سواء أوضاعهن في الإطار القانوني أو تقارير الرصد الميداني التي قام المنتسبون إلي المائة جمعية برصدها أو مجموعة من الدراسات والأبحاث والمسوح الاجتماعية والإحصائيات ولم يكن غريبا أيضا أن يستعين تقرير الظل الذي نسقته الاستاذة عفاف مرعي رئيسة الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية بالتقرير الدوري الموحد السادس والسابع للمجلس القومي للمرأة نفسه لأن الاهداف واحدة والآلام واحدة والخلاص واحد ولأن قضية النهوض بالمرأة في مصر تتغلغل في جميع مواثيق ومؤسسات المجتمع وخلاياه وتحتاج إلي جهد جبار يصل إلي العمق الغائر لدي كل المصريين. وفي الاحتفال بمرور 30 عاما علي اتفاقية السيداو في ديسمبر الماضي، قالت السيدة سوزان مبارك في كلمتها في الاحتفالية: إن مصر كانت من أوائل الموقعين عليها عام 1980 وأن الإيمان بما تتضمنه من عمل لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل دفع القيادة السياسية والمؤسسات الدستورية للتصديق عليها سريعا عام 1981 لتصبح جزءاً من التشريع المصري ضمانا لاهمية تنفيذها وأن هناك ارتباطا وثيقا بين مفاهيم "المساواة" و"التوجه الديمقراطي" و"المواطنة" التي نسعي إليها في مصر وكلها تمنع جميع أشكال التمييز ضد المرأة. أما ماذا يقول التقريران، تقرير المجلس وتقرير الظل؟ فهما يتفقان في أن هناك تقدماً في أوضاع حقوق النساء في السنوات الأخيرة في مصر مثل تخصيص 64 مقعدا للنساء في مجلس الشعب دعما لمشاركتها السياسية وصدور قانون الجنسية الذي يمنح الجنسية لأبناء المصرية المتزوجة من أجنبي، وصدور قانون محاكم الأسرة وفتح مجال التعيين للنساء في القضاء والنيابة الادارية وسن قانون بتجريم ختان الإناث.. تقرير الظل يؤكد أنه علي الرغم من هذه الإنجازات فمازالت النساء المصريات يعانين من جملة من مظاهر التمييز في القوانين اضافة إلي التمييز والعنف في الواقع الفعلي والأمر لا يحتاج لتأكيد فكل شيء علي الملأ ومكتوب في كل المطبوعات. أما تقرير المجلس فيؤكد أيضا الصدق والواقعية في طرحه لما يحفل به الواقع في مصر من تجاوزات ضد المرأة وفي جلسة مناقشة تقرير مصر الذي تناول 16 مادة طالبت بها الاتفاقية الدولية لتعديل أوضاع المرأة، حلل واضعو التقرير كل مادة ووصفوا الوضع الراهن لها في مصر والجهود المبذولة للتغيير والتحديات التي تواجه هذه الجهود ثم النظرة المستقبلية بناء علي كل هذه المفردات وحين نتأمل هذا الجهد الجبار نكتشف أن الكل يواجه بنفس ما يواجهه كل فرد فينا يتمني لهذا الوطن أن يصبح أفضل فهناك ذلك الموروث الثقافي المتجذر لدي أغلبية يدفعها لرفض المساواة بين الجنسين داخل مجتمعنا. ومن ضمن نتائجه المخجلة تصديق المرأة نفسها أنها أقل شأنا وأضعف من الرجل فتقل أو تنعدم مشاركتها الإيجابية في المجتمع فكيف لمن لا صوت ولا شأن لها في بيتها أن تكون ذات شأن خارجه؟ ولكن الموروث الثقافي لا يدعم التمييز وحده وإنما تدعمه قوانين وممارسات أخري تمارس كل يوم أمامنا.. وتلك مسألة أخري موعدها الأسبوع المقبل.