بالرغم من مرور أكثر من شهر علي ذكري ميلاد الأديب العالمي نجيب محفوظ المائة إلا أن اتحاد الكتاب تذكر الاحتفال به السبت الماضي فقط حيث نظم مؤتمراً تحت عنوان نجيب محفوظ كاتباً مسرحياً حضره عدد كبير من الكتاب الذين تحدثوا عن كتابات الأديب الراحل المسرحية عقب نكسة 67 ومنهم محمد سلماوي ويسري الجندي أو النقاد أحمد عبدالرازق أبوالعلا ود.حسن عطية وإبراهيم الحسيني وعبدالغني داود في البداية أكد محمد سلماوي رئيس المؤتمر ان نجيب محفوظ صاحب موهبة عبقرية متعددة المواهب ولا تزال أعماله تطبع في أوربا حتي اليوم عكس أعمال كاتب بقامة الفرنسي كلود سيمون الذي فاز بجائزة نوبل عام 1984 ولم تعد تطبع أعماله وفي عام 1969 اثناء دراستي في انجلترا كلفتني دار نشر (هانيمان) بترجمة بعض مسرحيات نجيب محفوظ وفي هذا دلالة علي التفاتهم المبكر لأعمال محفوظ المسرحية وترجمت ضمن السلسلة مسرحية (المهمة)، وبعد هزيمة يونيو 67 اتجه محفوظ للكتابة المسرحية وعندما سألته عن ذلك قال: لقد وجدت في المسرح ما لم أجده في الرواية، فالمسرح يقدم الجدل والنقاش بأكثر مما تقدمه الرواية، واكتشفنا انه كاتب مسرحي عظيم استطاع أن يضع يده مباشرة علي الموقف المتفجر الذي يصنع الدراما في المسرح بطريقة لا يستطيعها بعض الكتاب المتفرغين للمسرح. اما الناقد أحمد عبدالرازق ابو العلا فقال: يعد هذا المؤتمر الأول من نوعه الذي يحتفي بالجانب المجهول لنجيب محفوظ وأذكر أن الراحل رجاء النقاش سأل محفوظ: كيف تصنف أعمالك التي كتبتها ابتداء من اللص والكلاب حتي ميرامار ؟ فقال : أكتب ما أسميه قصة حوارية وأنا لا أسميها مسرحية لأن اعمالي لا يمكن تقديمها علي المسرح كما هي دون اعداد مسرحي خاص، فالحياة المسرحية ضرورة أساسية للكاتب المسرحي وأنا أكتب في غرفتي بعيدا عن الحياة المسرحية، والمسرحيات لا يمكن ان تخرج من الغرف المغلقة. اضاف أبوالعلا: يغلب علي مسرحيات محفوظ البعد الفلسفي وتمكنه من بناء الشخصيات والحوار والرؤية الفنية. ولعل اهتمامه بمعالجة القضايا الكلية وهو يتناول الواقع بأبعاده الاجتماعية والسياسية والانسانية هو الذي اعطي الفرصة للنقاد والدارسين لتفسير أعماله بتفاسير متعددة ومتنوعة. وأشار: لقد جاءت معالجة نجيب محفوظ للتراث التاريخي والاسطوري في مسرحيته (الشيطان يعظ) المستوحاة من حكاية (مدينة النحاس) لتؤكد فكرة اليوتوبيا المضادة، ليكشف بها الي اي مدي يمكن ان يصل الحال بمجتمع تتحكم فيه الخرافة لتقضي علي الحكمة وتسود الاهواء الشخصية والاحلام الفردية لتصنع عالما خاليا من الانسانية وملامحه غائبة . أما الناقد المسرحي الدكتور حسن عطية فقال: نجيب محفوظ اعترف بتأثره بتيار مسرح العبث وخاصة كتابات يونسكو وسارتر وألبير كامي وكان سبب اعجابه بهذا التيار هو انطباق الشكل علي المضمون ، فالشكل الروائي يدخل في اطار اللامعقول أو العبثي وكذلك المضمون ، ثم جاءت هزيمة يونيو فشعر بأنه فقد اتزانه وأن الشكل الواقعي البسيط لا يصلح للتعبير عن هذه الحالة التي كانت أقرب الي العبث فكتب مسرحية (المظلة) التي تعد اقرب اعما له الي تيار العبث خلال الفترة من 1967 الي 1970 وعندما بدأ في استعادة توازنه العقلي والروحي عاد مرة اخري الي الشكل الواقعي البسيط وخلع ثوب اللامعقول. اما الناقد ابراهيم الحسيني فاشار الي ان هزيمة يونيو ولدت اسئلة عن جدوي الكتابة.. لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وكان نجيب محفوظ واحدا من الذين نهشتهم الاسئلة فأقدم علي كتابة قصصية مغايرة في هذه الفترة لكن القصص لم تنه أزمته واسئلته، لذا فقد بحث عن شكل أدبي آخر فكان المسرح من اهم الاشكال الادبية الاخري قربا الي تفكيره. وتساءل الحسيني: أي نوع من المسرح يكتب محفوظ؟ هل يكتب ما تربي علي مشاهدته في مسارح روض الفرج وهو صغير والذي كانت تقدمه فرقت فوزي منيب، ويوسف عز الدين، او هذا النوع من المسرح الذي كان يقدمه علي الكسار ونجيب الريحاني، او العروض الاخري لكتاب الستينيات مثل توفيق الحكيم ويوسف ادريس ومحمود دياب وسعد الدين وهبة وميخائيل رومان والفريد فرج؟ حتي منتصف الستينيات ويجيب : لم يكن محفوظ مهيئا لتقديم أي من هذه الأنواع لعدة اسباب منها : عدم مقدرة هذه الاشكال المسرحية علي التعبير عن حالة الغضب التي ولدتها النكسة بداخله، أيضا: تاريخه الروائي الكبير والذي قدم فيه كثيرا من العلامات مثل الثلاثية والحرافيش، ولا يريد ان يضحي بهذا التاريخ السردي الطويل بدخوله مغامرة المسرح وهي مغامرة غير مأمونة العواقب، وبالتالي سيسمح للنقاد بان يضعوا مسرحياته في مقارنة مع كاتب المسرح آنذاك ،ولم تكن الرغبة في مجاراة الواقع بعد الهزيمة واعادة طرح ما كان مسكوتا عنه في تقديم كتابة مسرحية مغايرة بل كانت لديه قناعة فكرية مسبقة علي فعل الكتابة وأن المسرح هو الاقدر علي التعبير عن الواقع في ظل هذه الفترة. اما الكاتب يسري الجندي فكشف عن مفارقة غياب التراجيديا كما حددها أرسطو وكما ظهرت في معظم الانتاج الغربي في حين انها لم تتحقق في مسرحنا العربي وتحققت عند روائي من الطراز الأول هو نجيب محفوظ متناولا بشكل تاريخي تاريخ التراجيديا عبر عصورها المختلفة بداية من اليونان والرومان والعصور الوسطي مرورا بعصر النهضة وما بعده مؤكدا علي الجوهر التراجيدي والافتراضات الاساسية التي طرحتها التجربة اليونانية واظهار ازمة الواقع كما بدت امام شيكسبير وتطورت الي ان شكلت ازمة معلقة بين الانسان والتراجيديا طارحا (هاملت) كنموذج، وقارن بينه وبين هاملت المصري الذي تجسد عند نجيب محفوظ في شخصية كمال عبد الجواد معتمدا علي ثلاثة نماذج لنجيب محفوظ هي الثلاثية وأولاد حارتنا واللص والكلاب وأكد الجندي قدرة محفوظ علي خلق الشخصيات التراجيدية بكل ما تحمله من صفات البطل التراجيدي وارتباطه بالتجربة الانسانية. أما الدكتور محمد عبد الله حسين فأكد ان الظاهرة المسرحية قد تأصلت في وجدان نجيب محفوظ في وقت مبكر الامر الذي جعله علي وعي تام بالحركة المسرحية المحلية والعالمية وقدم للمسرح العربي سبع مسرحيات هي: الجبل الشيطان يميت ويحيي التركة النجاة مشروع للمناقشة المهمة. وجميعها كتبت بعد نكسة 1967 مباشرة ومن ابرز تيمات مسرح نجيب محفوظ تيمة الحيرة بين الممكن والمستحيل حيث نلاحظ سعي الابطال التجريديون الي تحقيق الممكن ولكن سرعان ما يخيب سعيهم فيكتشفون استحالة تحقيق هذا الممكن. اما الناقد عبد الغني داود فاشار الي ان محفوظ كتب نصوصه المسرحية تحت الحاح اللحظة التاريخية ليواكب الأحداث المتلاحقة عقب هزيمة 1967 واشار الي انعطافه الي مسرح اللامعقول وتقنياته التي وظفها في نصوصه لكنه يختلف عن هذا المسرح لاعتماده كليا علي الحوار الذي يهمشه مسرح العبث والذي يتقلص فيه الي مجرد ثرثرة.