المعلومات المتوافرة لدينا حتي هذه اللحظة عن برنامج معرض القاهرة الدولي للكتاب يدفع لمتاهة من الأسئلة ويولد حالة من اليأس من كل آليات العمل الثقافي في مصر، هذه الآليات لا يشترك في مسئوليتها الموظفون والقيادات الذين يختارهم وزير الثقافة بل يشارك في تحمل مسئوليتها كل "مثقف" يشارك في الإعداد والإشراف علي برنامج المعرض، المحزن إلي حد البكاء عدد لا بأس به يشارك بصفة شبه دائمة في الإعداد والإشراف علي برامج المعرض، ويسر لأصدقائه بالغالبية العظمي من الانتقادات والملاحظات التي سنبديها في التقرير التالي. اليوم يعقد الدكتور محمد صابر عرب رئيس الهيئة العامة للكتاب مؤتمرا صحفيا للإعلان عن تفاصيل الدورة 42 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، المعلومات التي حصلت "روزاليوسف" عليها بالتأكيد قد تغير بعضها، ولكن الشكل الأساسي للبرنامج ثابت، وهو ما يثير لدينا بعض الأسئلة التي تحتاج إلي إجابات، بالطبع ليس بهدف استباق المؤتمر، ولكن بغرض المعرفة والإيضاح، ومحاولة فهم كيف يتم التخطيط للمعرض، الذي يشارك فيه 30 دولة و800 ناشر. السؤال الأول: هل تخلي معرض القاهرة الدولي للكتاب عن صفته الدولية؟، نعم نعرف أن روسيا ضيف شرف المعرض هذا العام كما كانت بريطانيا في العام الماضي، وأن سلسلة الجوائز ستستضيف كاتبين تأكد حضورهم هما الكاتب الإنجليزي الشاب أندور ميللر صاحب رواية "كازنوفا ذ وألم فذ"، ومن إفريقيا جان ديفاسا نياما صاحب ثلاثية "الكالباس"، ولكن هذا لا ينفي وجود مشاركة دولية في البرنامج الثقافي والفني، فالمعرض ليس فقط سوقاً للكتاب، ففكرة حصول القارئ علي الكتاب لم تعد أزمة كبيرة في ظل ما يعشيه العالم من ثورة تكنولوجية يستطيع الفرد أن يحصل علي الكتاب الذي يريده من أي مكان، لهذا يجب علي المعرض أن يستضيف أسماء لها ثقلها الدولي، فكيف تتخلي مصر عن فرصة الاحتكاك بالعالم ثقافياً. وإذا كان افتقاد البعد الدولي للمعرض يعتبره البعض خطأ، فافتقاد البعد العربي يعتبر جريمة، فهل قرر المعرض بالإضافة إلي تخليه عن بُعده الدولي أن ينأي عن بعده العربي، فهل هناك مشكلة ثقافية ما تفرض عليه ذلك؟ يتعلق عدم دعوة ضيوف عرب بالميزانية الخاصة بالمعرض؟ وأنه لا يستطيع أن يتحمل نفقات الانتقال والإقامة، أم أن القائمين عليه يرون أن في مثل هذه الدعوات إهداراً للمال العام؟، نعم نعرف أن هناك عرباً اعتادوا الحضور إلي مصر في توقيت المعرض، ويطلب منهم المشاركة في بعض الأنشطة وهذه لا تعتبر دعوة، كما أن هناك بعض العرب المقيمين في مصر بشكل دائم، هم أيضا لا يمكن اعتبارهم مشاركة. الجمهور المصري هو الخاسر الوحيد، خاسر لأنه لن يتعرف علي ثقافات وتجارب أناس آخرين، ففي الوقت الذي تضرب فيه العولمة العالم وتمحو الحدود بين الثقافات ننسحب نحن إلي فضاء داخلي، نتقوقع، نغلق النوافذ، يجب أن يفتح المعرض نوافذه علي العالم كما كان من قبل، فالمعرض كان ينتظره الجمهور كل عام ليلتقي مباشرة مع أسماء كبيرة لكتاب ومفكرين عالميين وعرب، يستمع لهم ويحاورهم، وفي نفس الوقت فرصة للآخر كي يتعرف علينا عن قريب، كما لا يمكننا تجاهل أن الأمر به دعاية لمصر، التي حمل وزير ثقافتها ملفه الانتخابي وسافر إلي باريس لكي يكون مدير عام اليونسكو، فسوف تقول الأخبار أن الكاتب أو المفكر الفلاني في القاهرة يشارك في معرض الكتاب، وقد سبق للمعرض وفي سنوات قريبة، لن نتحدث عن سنوات ازدهاره- أن استضاف الحاصلين علي جوائز نوبل مثل أورهان باموق ونادين جورديمير، وغيرهما من المفكرين والكتاب. ليلقي القائمون علي المعرض نظرة خاطفة علي المعارض العربية التي أقيمت خلال 2009 في دول قريبة مثل لبنان، وأبعد قليلا ناحية الشرق مثل معرض أبوظبي، والغرب مثل الدارالبيضاء، والأفكار الجديدة التي يطرحها القائمون علي هذه المعارض والضيوف التي توجه الدعوة إليهم، في محاولة لتثبيت أقدامهم علي الساحة العالمية وليست العربية فقط، حتي إن بعض هذه المعارض أصبح يسوق لنفسه علي أنه الحدث الأبرز في المنطقة العربية، ولا نريد أن نتحدث عن الأرقام، ولا عقد المقارنات، فقط للتذكير. السؤال الثالث لماذا نشعر بابتعاد البرنامج الثقافي عن الواقع المصري، فعلي القائمين أن يضعوا أمامهم عشر مشكلات من التي شغلت الرأي العام المصري خلال عام 2009 ويروا كم قضية تم التعرض لها، سنجد أن افتقاد الندوات للتنوع الفكري يجعله بعيداً عن الواقع، وحتي الاهتمام البادي من جانب المعرض بالقضايا التي تبدو ملحة هو في الغالب اهتمام بيروقراطي، ففي المحور الخاص بالتقدم والعلمي والأوبئة "أنفلونزا الخنازير كنموذج"، كان من المهم أن يتم دعوة أحد الخبراء الأجانب سواء من منظمة الصحة العالمية أو حتي من المكسيك الدولة التي ظهرت بها أولي الإصابات، ليقدم لنا تجربهم في كيفية مواجهة المرض، فمع كامل احترامنا وتقديرنا للأسماء المشاركة وهي أسماء كبيرة وتجمعها معنا تحت سقف واحد شيء جيد، ولكن ما الجديد الذي يمكن أن نسمعه خلافا لما كتبوه أو قالوه في الصحف والفضائيات التي تحدثت عن الموضوع باستفاضة، أي أن المعرض يبدو متراجعا خطوات بعد الفضائيات والصحف، فالجمهور يحتاج إلي معرفة غير متداولة في الواقع، والأمر ينطبق تماما علي المحور الخاص بالأزمة الاقتصادية العالمية وقضايا الرأسمالية والاشتراكية. سؤال آخر في المحور الخاص بالشهادات الذي تقيمه الهيئة للحاصلين علي جوائز خلال العام الماضي، فقد اكتفت هذا العام - حسب ما هو متوافر من معلومات- بالحاصلين علي جوائز الدولة، حتي إن من يختار الأسماء لم يضع اسم سيد القمني وهو حاصل علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، علي الرغم من وضع اسم الدكتور حسن حنفي والدكتور قاسم عبده قاسم والثلاثة حصلوا علي نفس الجائزة، ولكن القمني قد صاحب فوزه الكثير من الجدل وعدم الاعتراف به كقيمة تستحق الحصول عليها، فهل أرادت إدارة المعرض بذلك أن تؤكد عدم استحقاقه للجائزة وأن وزارة الثقافة والمجلس الأعلي للثقافة قد أخطآئا بمنح القمني للجائزة، أم أنهم فضلوا الاقتداء بمبدأ السلامة واستبعاده، أيضا في نفس المحور لم يتم وضع اسم واحد ممن فازوا بجوائز غير جوائز الدولة، علي الرغم من أن من بينهم أسماء كبيرة وتستحق التكريم مثل الدكتور جلال أمين الحاصل مؤخرا علي جائزة العويس، ولا يمكن القول إنه لم تكن هناك فرصه لإدراج اسمه لأنه حصل عليها في نهاية العام فاجتماعات اللجنة الثقافية استمرت حتي بعد حصوله عليها، وإن كان ذلك مبرراً فلماذا لم يضف اسم الروائي جمال الغيطاني الذي حصل علي جائزة الشيخ زايد في الآداب عن روايته "رن" في دورتها الثالثة، وجائزة أفضل رواية عربية مترجمة إلي الفرنسية عن روايته "نثار المحو" وأخيرا جائزة كفافيس، وأيضا الكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب كأول مصري يفوز بجائزة كتاب أفريقيا، وغيرها من الأسماء. كذلك المحور الخاص بالرواية العربية بين الانفجار الكمي والازدهار النوعي، وهو عنوان ملتبس، مرتبك، فهل الانفجار الروائي قد حدث فقط هذا العام أو العام الذي سبقه أم أنه حدث منذ سنوات، والأولي أن يكون المحور حول ازدهار القصة القصيرة واتجاه الكتاب الشباب إليها.