ستظل أحداث نجع حمادي بجرمها وخساستها حادثة فارقة في مجالات كثيرة ومتعددة تجعلنا نعيد النظر ونغير من طريقة المعالجة التقليدية لتلك الأحداث.. تلك المعالجات التي لا تتخطي الجانب النظري ولا تتعامل مع المشكلة علي أرض الواقع حتي يتم تغيير هذا الواقع والعودة به إلي الروح المصرية الوطنية بعيدًا عن ذلك المناخ الطائفي الخطير. وحيث إن الظروف والملابسات والأسباب التي انتجت تلك الحادثة غير بعيدة وليست منبتة الصلة بباقي ما يماثلها من أحداث سابقة وأحداث لاحقة فيما لو استمر التقاعس عن فعل التغيير. فإن هناك نتائج تصاحب كل حادثة من تلك الحوادث تمثل خصوصية سياسية وطائفية خاصة بالمنطقة أو نتيجة لسلوكيات شخصيات مؤثرة علي المستوي الديني أو السياسي أو الاجتماعي. وفيما يخص حادثة نجع حمادي، فنجع حمادي مركز تابع لمحافظة قنا، وهي محافظة قبلية بامتياز تتقاسمها سطوة قبائلية ما بين قبائل العرب والاشراف والهوارة. وتلك الانتماءات القبلية لها بلا شك تأثير اجتماعي ملموس علي مستوي العلاقات الاجتماعية، وذلك في ضوء هجمة وانكفاء علي الكنيسة من جانب الأقباط.. سواء كان هذا علي المستوي الجسدي أو النفسي. الشيء الذي جعل رجال الدين المسيحي يستمرئون ويستملحون لعب دور بل أدوار لا علاقة لها بدورهم الروحي والديني بل هي أدوار تتناقض جذريًا مع دورهم الروحي بل تتناقض مع حق المواطنة للمسيحي بل تجعل المشاركة السياسية للأقباط في صورة مشاركة كنسية اجتماعية لا علاقة لها بالسياسة الفعلية والصحيحة ولذا قد وجدنا الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي التي بها نسبة كبيرة من الأقباط أعلي من باقي مراكز المحافظة يتصور أنه شيخ قبيلة الأقباط توازيًا لشيخ قبلية العرب أو الهوارة. وللأسف الشديد قد لعب المحافظ السابق لقنا بهذا التخيل لدي الأسقف بل قام المحافظ بتشجيع واستغلال الأسقف، في تصفية حسابات بين المحافظ وبين بعض نواب القبيلتين هناك.. وتم إسقاط النائب بل أعلن أن الأسقف والأقباط كانوا سببًا رئيسيًا في هذا السقوط.. الشيء الذي لابد له من أن يُحدث استفزازًا ما وتأزمًا بشكل أو بآخر بين أبناء القبيلة علي امتداد المركز بل علي امتداد المحافظ وبين الأقباط المظلومين والذين يقع علي عاتقهم نتيجة سلوكيات الأسقف الذي يريد أن يكون زعيمًا سياسيًا وقبليًا حيث إنه لم يكتف بالزعامة الطائفية التي تمارس. هذا الجو وذلك المناخ وبعد انتقال المحافظ السابق ومجيء محافظ مسيحي تصور الأسقف والأقباط أن مجيء محافظ مسيحي يعني أنه لابد أن يكون مسيحيًا انتماء وموقعًا وأن يكون خاضعًا للكنيسة والأسقف ولا علاقة له بموقفه بمسئوليته السياسية عن كل المصريين في محافظة قنا.. والغريب أن الهجوم علي المحافظ القبطي الذي صاحب مجيئه تخوف أن يكون محافظًا لقنا لظروفها الخاصة. قد جاء هذا الهجوم في الأسبوع الأول من تعيينه من البابا شنودة شخصيًا . حيث قال إنه لا يعرف المحافظ ولا يعرف شكله وأنه يحافظ علي البعد عن البابا. بالرغم من أن المحافظ كان مساعدًا لوزير الداخلية في المنطقة الواقعة فيها الكاتدرائية، والبابا يعلم ويعرف من هو مجدي أيوب. لكن هي الحرب النفسية. لماذا؟ تصوري الخاص أن البابا كان يقصد هذا لأنه يمكن أن يكون تعيين المحافظ قد جاء بعيدًا عن معرفة البابا بهذا القرار وعدم استشارته، لأنه للأسف الشديد النظام يقوم بأخذ رأي البابا بل يطلب من البابا ترشيحات لتعيين الأقباط في المواقع الحساسة ومجلسي الشعب والشوري.. الشيء الآخر أن المحافظ لظروف إقامته في قنا في بداية تعيينه لم يتمكن من زيارة البابا حيث إن المحافظ يعلم حسب موقعه الشرطي أن أيام الجمعة والسبت والتي يكون فيها المحافظ بالقاهرة يكون البابا بالدير مع العلم أنه كان من الواجب أن يقوم البابا بتهنئة المحافظ عند تعيينه لا العكس.. ولكن هذا لكي يحدث نوع من الإرهاب الديني والكنسي للمحافظ حتي يكون خاضعًا وإلا.. المهم ذهب المحافظ للبابا وتم الاسترضاء، ولكن.. وهذا هو الأهم أن المحافظ إذا كان مسيحي الديانة فهو مصري الهوية والموقع والعمل والسلوك. وهذه هي قيمة مجدي أيوب. لأنه لو جاء محافظ أو وزير أو أي مسئول مسيحي حسب التصور الخاطئ للكنيسة وللأقباط لكي يكون مسيحي الهوي والعمل والانتماء في موقعه بعيدًا عن الكنيسة، فهذه طائفية ممقوتة بل مصيبة كبري وطامة تحرق الوطن وتقسمه فعليًا إلي مجتمع طائفي بل هو نوع من لبننة مصر. وامتدادًا للسيناريو وجدنا أسقف نجع حمادي ولأن المحافظ كان ومازال مصريًا في موقعه - وهذا يناقض ما كان يتمناه الأسقف وما كان يصوره له المحافظ السابق الذي استغل الأسقف سياسيًا - فقد قام الأسقف بحملة غير محترمة ضد المحافظ، في قضية بناء كنيسة في قرية أبو شوشة قد أصيبت بحريق ويريد بناءها والإدارة الهندسية تري ترميمها مع العلم أن حادثة الكنيسة حدثت في عهد المحافظ السابق صديق الأسقف ولم يحل المشكلة ولم يساعد في بنائها ولا علاقة للمحافظ الحالي بهذه القضية بل هي قضية فنية والبت فيها أصبح اختصاص جهات هندسية بالقاهرة والأغرب أن قطاعًا كبيرًا من الأقباط وعلي رأسهم النائبة القبطية المعينة في مجلس الشعب جورجيت قليني قامت بحملة غريبة وشاذة ضد المحافظ باعتباره قبطيا للاسف الشديد. وهنا السؤال: لماذا هذه الحملة؟ وهل المحافظ - أي محافظ - مسئول عن الخطة الأمنية وما عمل مدير الأمن ووزير الداخلية؟ ولماذا لم يحدث هذا مع كل المحافظين الذين حدثت بمحافظاتهم مثل هذه الحوادث؟ وهل مطلوب من المحافظ القبطي أن يكون خاضعًا للأقباط وللكنيسة أم مؤديا ودوره في موقعه كمصري بعيدًا عن الهوية الدينية وأن يعمل لصالح كل المصريين؟ وما مسئولية المحافظ في هذه الأحداث؟. وما المطلوب الذي كان يجب أن يفعله ولم يفعله؟ والغريب أن النائبة قالت إن المحافظ يحبه المسلمون ولا يحبه المسيحيون. أليس هذا يجعلنا نتساءل: ولماذا هذا؟ فهل هو أصبح مسلمًا فيحبه المسلمون ولا يحبه المسيحيون؟ ما هذا التحليل العقيم وما هذه النظرة الطائفية وكيف نعالج تلك الطائفية؟ هل نعالجها بمزيد من الطائفية؟ وهل النائبة المعينة عن طريق الكنيسة تريد أن ترسل رسالة طائفية للكنيسة حتي تكون راضية عنها، خصوصًا أن المجلس في آخر دوراته البرلمانية؟ الأمر خطير ولا بد من القضاء علي هذا الفكر الطائفي. ولا يجب أن يتدخل رجال الدين في غير دورهم الروحي. المسيحيون مصريون والدولة وحدها المسئولة عنهم لا الكنيسة.. المسئول القبطي أو المسلم هو مصري قبل أي شيء ويجب التعامل معه علي أنه مصري فقط. أخيرا أقول إن شخصية أسقف نقادة المصري الذي يقوم بحل مشاكل المسلمين بعضهم مع بعض والذي قال عنه مأمور نقادة السابق إنه عند غياب الانبا بيمن أسقف نقادة في الخارج تكثر مشاكل المسلمين مع المسلمين لأنه حمامة سلام بين المصريين هذا هو دور رجل الدين إذا أراد أن يكون له دور. وهو دور المصري مع المصريين، وليس دورًا طائفيا مع الطائفيين حتي تكون مصر وطنًا لكل المصريين.