لم يكن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر هو المصري الوحيد الذي تأثر من دموع المهندس نجيب ساويرس عقب سماعه حكم قضاء مصر العادل لصالح شركته موبينيل في نزاعها مع الشركة الفرنسية فرانس تليكوم. ملايين المصريين كانوا متعاطفين مع ساويرس ومساندين له طيلة الأشهر الماضية منذ أن بدأت الشركة الفرنسية المشاركة في موبينيل تخطط وتدبر للاستيلاء - بالقانون - علي أول وأشهر شركة محمول في بر مصر. لكن عندما تأتي الشهادة من أكبر زعيم مسلم لمواطن مصري قبطي فتلك شهادة ليس بعدها شهادة تعني أول ما تعني أن ساويرس يستحق فعلاً ما قاله شيخ الأزهر بالحرف الواحد: مواقف رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس اعتبرها مثالا للوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط في مصر.. ساويرس رجل أعطاه الله مالاً ويعمل لديه المسلم والمسيحي.. لقد تأثرت كثيرًا حينما قرأت بالصحف أن نجيب ساويرس كسب قضية دولية ودمعت عيناه حينما سمع الحكم قائلا: إننا جميعًا مواطنون في مصر وهذه القضية مكسب للجميع. شهادة شيخ الأزهر في حق ساويرس ليست كلاما في السياسة بقدر ما هي حقًا شهادة في حق ساويرس يستحقها الرجل بالفعل الذي لا يفرق في شركاته بين الأقباط والمسلمين الكل عنده سواء والعيار الوحيد للترقي هو الكفاءة والاقتدار دونما أي قرار ديني... لم يفلح ساويرس في كبح جماح دموعه فور سماعه حكم المحكمة العادل، فشل في تلك المرة لم يستطع سوي أن يقول ربنا استجاب لصلوات المصريين. أراد أن يعبر عن فرحته فسبقته دموعه فرحًا وابتهاجًا بحكم قضائي أنصفه. وكان أبرز ما قاله باقتضاب ملحوظ للكافة في تلك اللحظة المصيرية ليست لدي أي رغبة في بيع موبينيل.. دي بلدنا ونحن قاعدين فيها مش خارجين!.. قال ساويرس ما قاله وهو في حالة انفعال تأثرًا بحكم المحكمة المنصف ولكن هل كان عقله الباطن يختزن في داخله إحساسا عميقا لدي ساويرس بأن هناك في مصر من يريد أن يطفشه من السوق المصري؟.. هل كان الرجل غاضبا من مواقف البعض في الجهاز الحكومي سيما في معركته الأخيرة مع فرانس تليكوم الحالمة ولا أقول الطامحة في الاستحواذ علي كامل أسهم موبينيل التي تمتلكها أوراسكوم تليكوم والشركة الفرنسية معا؟.. وهل كان ساويرس يشعر بأن في الكواليس مؤامرة صمت مريبة أطرافها ناس كبار في البيزنس والسياسة أزعجهم الرجل الذي يرفض العمل في السياسة ويزعجهم أكثر نجاحه المتواصل في بيزنس شبكات المحمول سواء في الجزائر أو السودان أو العراق أو نجاحه المتوقع في اقتحام سوق الاتصالات في إيطاليا بلد المكرونة؟! لقد كان مدهشًا أن تظهر علي الفيس بوك مؤخرًا مجموعات تعلن رفضها بيع موبينيل للشركة الفرنسية فرانس تليكوم.. وكان الأكثر ادهاشاً أن تهدد تلك المجموعات بمقاطعة موبينيل إذا تمت صفقة بيعها للفرنسيين.. ولكن لا أحد يمكنه العبور علي إعلان نشرته إحدي الجرائد اليومية دون التوقف عنده طويلاً.. كانت كلمات هذا الإعلان المدفوع هي الأكثر قوة حيث قال صاحب الإعلان الرافض لتلك الصفقة المشبوهة لها: لازم ندين ونرفض بيع محمولنا لغيرنا - يقصد الفرنسيين - وعلشان يبقي مفهوم من دلوقتي إن كنتم طمعتم فينا كثلاثة وعشرين مليون مشترك فتلقائيا سنبدأ في حملة قومية لتحويل اشتراكاتنا إلي الشركتين المنافستين!!.. وبحق، استطيع أن أقول أنه لم يحصل رجل أعمال مصري واحد علي مثل هذا الاجماع الشعبي مثل نجيب ساويرس.. الكثيرون من أبناء الشعب ساندوه وتعاطفوا معه.. ليس لأنه بكي فرحًا بفشل محاولة اختطاف موبينيل.. ولكن لأنهم وجدوا في شخصه مواطنا مصريا صميما وشريفا لا يعرف إلا البيزنس ولم يضبطه أحد يحاول مرة التسلل إلي بحر السياسة.. ساندوه وأحبوه وآزروه رغم أنهم لا يعرفونه.. ولا يعرفهم.. القصة وببساطة أنهم، ومنذ زمن بعيد، وثقوا فيه وأحبوه!. كان بإمكان ساويرس أن يغض الطرف عن المساهمين الصغار في موبينيل ويتحالف مع الفرنسيين ولو سراً ولكنه لم يفعل لسبب واحد أنه وطني إلي أقصي الحدود وغيور علي أبناء جلدته إلي أقصي الحدود لم يفعل هذا الذي قد يفعله أي رجل أعمال آخر من هؤلاء الذين نقرأ أخبارهم ونطالع آراءهم كل يوم في الصحف وفي الفضائيات الخاصة.. أبي ساويرس كرجل صعيدي أصيل أن يلوي أحد ذراعه ويختطف منه ابنته موبينيل وسار في الشوط إلي أبعد نقطة لكنه كان طوال هذا المشوار الصعب في معركته مع الفرنسيين واثقا كل الثقة بأن الله سيكون معه مؤمناً بأن الكل في معركته سيكون معه ووراءه وأمامه الكل سيكون في واحد وقد صدق حدثه ووقف الجميع معه لأن الحق كان معه. لقد انتهت الجولة الأولي في الحرب المشتعلة بين شركة ساويرس وفرانس تليكوم المعروفة بقضية صفقة بيع موبينيل وتنفس ساويرس الصعداء ولكن إلي حين لأن حكم المحكمة أبطل قرار هيئة الرقابة المالية بالموافقة علي عرض الشراء الإجباري لأسهم موبينيل ب245 جنيها للسهم واعتبر الحكم أن قرار الموافقة كأن لم يكن ولكن هيئة مفوضي الدولة هي التي ستحدد الرأي القانوني في عرض الشراء الإجباري وحتي يوم 13 فبراير الذي ستنظر فيه محكمة القضاء الإداري الشق الموضوعي في الدعوي لن ينام ساويرس قرير العين وفي سكون سيظل شبح اختطاف موبينيل خامس أولاده ماثلاً أمام ناظرية في كل لحظة وفي أي دقيقة. حسنا فعلت يا باشمهندس نجيب حين رفضت أن تعقد مؤتمراً صحفياً فور انتهاء جلسة المحكمة وحسنا فعلت حين رفضت ومازلت ترفض الإدلاء بأية حوارات إعلامية وصحفية رغم الضغوط والوساطات حسنا فعلت وتفعل لأنك أكثر واحد في الدنيا حرصاً علي مصالح شركائك من صغار المساهمين في موبينيل. بل إنك أكثر واحد خايف علي الشركة التي كنت مغامراً حين أسستها لدرجة أن والدك نفسه العم أنس ساويرس وضع يده علي قلبه حين فاتحته في اجتماع العائلة الأسبوعي بالزمالك في أمر الشركة الوليدة. بقيت كلمة أعرف يا باشمهندس إنك لم تكن تنام خوفاً من الطامعين في موبينيل من ذوي العيون الزرقاء أعرف كذلك أنك لن تفرط أبداً في ابنتك الخامسة لأنها أصبحت التميمة التي جلبت لآل ساويرس كل هذه الشهرة في النجاح ولكن الآن من حقك أن تنام في هدوء وسكينة ودعة من هنا ورايح لا تيأس ولا تبتأس ونم قرير العين فعين الحق لا ولن تنام.