كلما حاول بعض المسيحيين أحيانًا في إحدي القري أو المدن الممتدة أن يقيموا صلاة في مكان ما ستتحرك جماهير مسلمة ضدهم وتعتدي علي المكان والبشر ثم ونتيجة لذلك تتحرك جماهير مسيحية وتعتصم بالكنيسة الكبري في مدينتهم يرفعون لافتات ويهتفون مطالبين بالحرية، ونفس الشيء وقع في الأزمة الأخيرة فبسبب اغتصاب شاب مسيحي لفتاة مسلمة تحركت الجماهير وقتل من قتل وجرح من جرح وكانت المظاهرات المسيحية والاشتباكات، وهو ما وقع أيضا أثناء أزمة وفاء قسطنطين، تري ما الذي يحرك هذه الجماهير؟! في كتاب صدر في أمريكا عام 1925 عنوان جمهور الأشباح حاول فيه مؤلفه والترليبمان Walter Lebmman أن يفسر هذه الظاهرة بالقول إذا كان البشر قد خلقوا أحرارا فما الذي يجعل شخصا واحدا يسيطر علي جماعة واسعة ويلقنها الفارق بين المسموح والممنوع؟ وإذا كان شعبا من الشعوب يتمتع بحقوق وواجبات متساوية فما الذي يسمح لنخبة محدودة العدد أن تصنع أفكار المجموع وأن تقنعه بما شاءت من التصورات والأفكار؟ والإجابة عن هذين السؤالين تدور حول ثلاث قضايا هي قضية سلطة الكلام والأخري هيبة المتكلم التي تقنع المستمع والثالثة حظوظ الناس في الحياة، أما القضية الأولي فيشبه المؤلف المواطن بحال المتفرج الأصم الجالس في الصف الأخير الذي يغلبه النعاس حتي لو عرف أن ما يجري فوق المسرح بالغ الأهمية، فهو غير معني به، وبالتالي ينتهي الأمر إلي ثنائية القائد والمقاد، النخبة والعامة، وعندما يكون القائد لديه سلطة الكلام الديني فهو يحيل هيبة المتكلم وبقوة القضية الثانية وهنا نكتشف جمهور الأشباح التي لا تريد أن تفكر فيما تسمع وليس لديها أي حس نقدي ورأينا كيف أن القاتل في نجع حمادي لم يقتل لأنه فكر فهو لا يفكر لكن لأن آخرين قالوا له افعل ففعل، ثم إن الشعب المسيحي في الجانب الآخر لا يفعل إلا ما يسمع فهو لا يحلل ولا ينقد ولا يزن الأمور فهو متفرج كسول يريد من يقول له ماذا تفعل؟ والفارق بين النخبة والجمهور هي في حظوظ البشر فالذين استطاعوا أن يتدربوا سياسيا ودينيا علي الخطابة وجذب الجماهير ووصلوا أن يكونوا كوادر سياسية أو دينية تحولوا إلي قيادة فاعلة لجماهير من الأشباح تتكلم عندما يطلب منها الكلام وتصرف عندما يطلع منها الصراخ وتصمت وتتفرق عندما يطلب منها العكس ومن أجمل ما قاله المؤلف أن النخبة التي تسوق وراءها جمهورا معطوبا وتفضل أن يستمر معطوبا هي نخبة لا تثق بذاتها ولا بأفكارها بل هي تخون الوطن والمواطنة وتفعل عكس ما تعلمت في مدارس النقد الذاتي وتحريك الجماهير نحو أهداف فضلي للحياة والمجتمع، فالنخبة تؤمن بالتعددية في الأفكار لكنها لا تعلم جماهيرها ذلك بل تقدم لها أفكارها علي أنها الحق المطلق وهكذا تتحول هذه الجماهير إلي أشباح، وهي أيضا تستخدم تعبيرات ضخمة غير مفهومة لدي الجماهير مثل الحق، والشعب والأمة والدين وكلها غير محددة المعالم لكن لها وقع سحري علي الجماهير بل وقادرة علي تحريكهم بلا وعي ودون إدراك لمفاهيم هذه المصطلحات وأبعادها، فعندما ينادي القائد الديني تابعيه بأنهم امتداده وأفكاره هي أفكارهم وأفكار الله هي أفكار القائد فهم بذلك امتداد لله، وهي كلها أمور غير مرئية وغير ملموسة وغير مفهومة، وكما يتطبق هذا علي الكلمات والأفكار ينطبق علي الأفعال ففعل القائد امتداد لفعل الله وفعل الجماهير امتداد لفعل القائد.. وهكذا وهكذا يصبح الجمهور حقيقة بلا دور ويبرز دوره فقط عندما يريد القائد أن يحركه في اتجاه هو يريده ليضغط به علي أصحاب القرار وعلي الأطراف الأخري وتقوم الأطراف الأخري بنفس الدور، ويتجاوب صاحب القرار إيجابًا وسلبًا بحساب ظروفه التي يري أنه لا يستطيع أحد أن يلوي ذراعه وبحسب سياسته في أن يرضي هذه المرة طرفًا علي حساب الآخر علي أن يرضي الآخرفي مرة أخري وهكذا بين النخبة وصاحب القرار تتشكل الجماهير الأشباح وتظن أنها تفعل شيئا وما هي بشيء ولا بفعل فماذا يمكن أن تحقق الأشباح لذاتها؟!