في العلوم النفسية والاجتماعية نظرية شهيرة تسمي نظرية النسبة أو الإيعازAttribution Theory يستخدمها علماء النفس في تفسير كثير من المواقف الحيايتة، وفي إلقاء الضوء علي الطريقة التي نفسر من خلالها عديداً من الأحداث والخبرات التي نمر بها.. وهي نظرية تتجاوز حدود علم النفس والاجتماع إلي تفسير كثير من القضايا السياسية التي يتم عرضها في وسائل الإعلام.. وتشير الفكرة الرئيسية لهذه النظرية إلي إننا نميل إلي تفسير ظواهر الحياة التي نشترك والآخرون فيها بطريقتين مختلفتين تماماً، الطريقة الأولي تبرر وتفسر أفعالنا، والثانية تبرر وتفسر أفعال الغير أو الآخرين.. وفي الغالب نحن نميل إلي تفسير أفعالنا الإيجابية في ضوء خصائصنا الشخصية ، ونميل إلي تفسير أفعال الغير الإيجابية في ضوء الظروف الخارجية.. فنحن قد نجحنا في الإمتحان بسبب قدراتنا العقلية العالية، وبسبب إخلاصنا وذكائنا.. وهم قد نجحوا في الإمتحان لأن الإمتحان كان سهلاً، ولأنهم في الغالب محظوظون.. وفي المقابل، فإننا نميل إلي تفسير أفعالنا السيئة في ضوء الظروف الخارجية، وفي تفسير أفعال الآخرين السيئة في ضوء خصائصهم الشخصية.. فنحن نغش في الامتحان لأن الامتحان صعب، ونحن نسرق لأن الحياة صعبة.. وهم يغشون في الامتحان لأنهم غشاشون وغير أمناء، ويسرقون لأنهم لصوص وحرامية!!! المنطق ذاته، والطريقة ذاتها، يتم استخدامها بكثرة في عديد من الكتابات الصحفية والتحليلات السياسية الحالية.. خذ، علي سبيل المثال، موقف الصحافة المعارضة من حرية التعبير.. فهم ينتقدون الدولة والحكومة والحزب لأنهم شجعان ولأنهم يمارسون حقهم في التعبير عما يعتقدون، وهي حرية كفلها الدستور، ولأنهم يستهدفون الصالح العام.. أما الآخرون، وهم هنا من لهم رأي إيجابي في الدولة، أو الحكومة، أو الحزب، فهم ينتقدون الدولة أحياناً لأن لهم أهدافاً خاصة وراء ذلك، وأنهم لا يقومون بذلك إلا لتحقيق أهداف خاصة، ولأنهم " مسنودون".. فالشجاعة هنا تعادلها المحسوبية هناك، والصالح العام هنا يعادلها المصالح الشخصية هناك، وهكذا... وفي قانون الضريبة العقارية، المهضوم حقه والذي يحتاج إلي مساندة شعبية لأنه يستهدف بشكل واضح تحقيق العدالة الاجتماعية، نجد المنطق ذاته.. فالمؤيدون للقانون من كتاب الصحف المستقلة والمعارضة يستهدفون الصالح العام، ويحكمهم العقل في كتاباتهم، وأنهم يبنون أحكامهم علي دراسة دقيقة للموقف، وتقييم شامل للموضوع.. أما المؤيدون للقانون من كتاب الصحف القومية، فهم يؤيدون القانون لأنهم مستفيدون من ذلك، ولأنهم مأجورون، ويدفع لهم مقابل ذلك، وأنهم مجبورون علي ذلك، وأنهم.. وأنهم... خلاصة القول ، ليت إخواننا في الصحافة المعارضة والمستقلة يحكمون علي زملائهم في الصحافة القومية بنفس المنطق الذي يحكمون به علي طريقة أفعالهم.. غير معقول أن نفسر سلوكنا بطريقة مختلفة عن طريقة تفسيرنا لتصرفات الآخرين.. خاصة إذا اشتركنا كلنا، مؤيدين ومعارضين، في حب مصر، وفي العمل علي رقيها وتقدمها....