(رجل تاه) هو عنوان كتاب الشعر الذي ظهر مؤخرا للدكتورة عزة هيكل.. والدكتورة عزة تكتب شعرا من نوع خاص.. ينطق كل سطر من سطور قصائده ب(ملامح امرأة عصرية).. وتقول كاتبته (نعم إني امرأة).. وتسطر مفرداته شكل (امرأة من زمن آت).. أي أنها مهتمة بالدرجة الأولي بالمرأة وعلاقتها الإنسانية بالرجل في حب دون تنازل، وفي مودة لا تمنع الكبرياء الذاتي وحفظ الكرامة الأنثوية.. وأول ما يميز كتاب (رجل تاه) ومعظم قصائد الدكتورة عزة هيكل الصوت النسائي الذي هو لامرأة قوية ليست تائهة ولكنها تتكلم في جرأة بمشاعر قوية.. هذا الصوت هو الذي ينطق بسطور أبيات القصائد ويعبر عن كرامة كاتبته حتي في الحب.. وكأنها تعني القول بأن تلك المشاعر النبيلة لا تنقص من كرامة المرأة ولا تحط من قدرها.. فعلي سبيل المثال يقول هذا الصوت: (إني أميرة أحلام يخدمني إنسي وجان يغواني قيس وإخوانه يخطبني أنقي الفرسان).. وفي قصيدة أخري بعنوان (مرثية) تمتدح قائلة الأبيات نفسها بكبرياء وعفوية.. وبجرأة تستخدم (ياء المتكلم) في حديث عن الذات.. يرفع من قدرها ويعلي من شأنها بل يرسم شكلا جميلا لها.. وفي معظم القصائد تبحث الشاعرة الكاتبة من خلال صوت المرأة القوية نفسها عن فارس!! ولا يرضيها متقلب الأفكار، ولا صاحب العباءات المختلفة، ولا الساكن الهادئ صاحب المظهر الجاد الرزين.. ولكنها تنتظر الفارس صاحب الاتجاه الواضح والجرأة غير المسبوقة، والنظرة غير المواربة.. مما يصيبها بخيبة أمل في مواقف عدة تكتشف فيها أن من تراهم ليسوا إلا صورا متعددة لفكرة واحدة هي (رجل تاه) وأن الفارس لم يظهر بعد.. وعلي الرغم من ذلك، ومن أن الحلم بالفارس موجود، إلا أنه فارس إنسان سيأتي لإنسانة.. وهي ليست أي إنسانة بل هي (أميرة أحلام).. ففي قصيدتها - التي أراها - رائعة وتدعي (الجواري) تصف فيها ما تقوم المرأة به من أعمال ممعنة في التقليدية وغارقة في التعب في انتظار الفارس الأسمر.. وتتحدث عنهن قائلة: (يحسبن الكون ملكا والزوج العطوف أمنا وحصنا والابن الرءوم سندا وظهرا والبنت الحنون عونا وأنسا والعيش الرحيب رغدا وسعدا) ولكنهن علي ما يبدو واضحا للشاعرة وليس لهن (يحيين وهما).. الكتاب رائع وقصائده متوهجة ولغته صادمة أحيانا، وهادئة ورقيقة في أحيان أخري، ولكنها جميلة.. وقد أعجبني جدا جدا (موشح القمر)، وقصيدة (أهواك) والجزء الخاص ب (الصوفيات) في آخر الكتاب وبخاصة قصيدة (ومر عام يا أبي) التي كتبتها الدكتورة عزة في ذكري وفاة والدها وتفيض بمشاعر حقيقية.. وبالرغم من قصر قصيدة (إلي ابنتي) إلا أنها لا تقل صدقا.. لكنني كلما اقرأ تلك الأبيات أتصور أني أخاطب بها هذا الوطن: (أهواك عباءة حرية للقلب هياما وملاذا أهواك سيفا مسلولا يقطع أوصال العبودية أهواك بليغا يتحدث بالعشق ولا يخشي الفرية) أو - لو تسمح لي الدكتورة عزة: بعشق للكل سواسية (أهواك وإن بتَّ سرابا أو حلما كنت وخيالا)..