لم أكن أتوقع أو أتمني أن يربط الأمن في بيانه إلي الأمة عن حادث قتل سبعة مسيحيين وأمين شرطة بين جريمة القتل هذه وحادث اغتصاب الشاب المسيحي لفتاة مسلمة في نوفمبر الماضي حتي لو كان هذا أحد الاحتمالات وذلك لعدة أسباب. أولاً: أن البيان خرج قبل القبض علي الجناة وقبل القبض علي الجناة يضع الأمن والناس عدة احتمالات، ربما الربط بين الجريمتين إحداها لكن لا يمكن الجزم بأنه الاحتمال الأوحد حيث إن هناك احتمالا آخر هو تكوين خلية إسلامية متطرفة قامت بهذا العمل وهو ما حدث في جريمة قتل الصائغ في الزيتون حيث أعلن الأمن وقتها عن عدة احتمالات منها علاقات ذلك الصائغ مع آخرين من الصائغين أو علاقات نسائية واستبعد أن تكون جريمة طائفية ثم ثبت أن الذي قامت بها خلية إرهابية ربما يكون هناك ارتباط بين جريمة فرشوط ونجع حمادي وربما يكون هذا أقوي الاحتمالات لكنه ليس الاحتمال الوحيد وربما كان الوازع في بيان الأمن هو تهدئة النفوس لكن ما حدث هو العكس. الثاني: ترويج وصم الجريمة بهوية مرتكبيها من الأمور الخطيرة والتي وقعت كثيرا في مجتمعنا مؤخراً وروج لها الإعلام هي وصم الجريمة بهوية مرتكبيها فمثلا عندما وقعت مشاجرة في إحدي قري الفيوم بين بقال وأحد عملائه علي زجاجة مياه غازية قيل إنها بين مسيحي ومسلم بينما تقع مئات الحوادث مثل هذه بين مسلمين ومسلمين ومسيحيين ومسيحيين ولا يسمع بها أحد لكن وصم الجريمة بهوية مرتكبيها يؤجج الطائفية ويجعل نيرانها تمتد إلي أماكن كثيرة فحادث الاغتصاب الذي وقع في فرشوط هو حادث يقع يومياً في مصر لأسباب كثيرة ليس من بينها اختلاف الدين فهو يقع بسبب الفقر والبطالة وتأخر سن الزواج والمخدرات والكليبات العارية.. إلخ والمغتصب لا يسأل عن ديانة المغتصبة قبل أن يغتصبها وهناك فتيات مسلمات كثيرات اغتصبن من بلطجية مسلمين والاغتصاب نفسه ينفي الدين عن مرتكبه مهما كان فكيف يكون إنسان مسيحي أو مسلم يعبد الله ويغتصب النساء لكن أن نتحدث عن اغتصاب مسلم لمسيحية أو العكس هو نوع من التخلف الذي يدعو إلي تعميق الفتنة في نفوس البشر وكأن لو أن مسلماً اغتصب مسلمة أو مسيحياً اغتصب مسيحية تكون الجريمة أقل وطأة وأسهل قبولاً وهو الهذيان بعينه والاختلال في تقييم الأمور. ثالثا: العودة للحياة القبلية عندما ظهر الإسلام في الجزيرة العربية كان ساكنوها ينقسمون إلي عدة قبائل وعندما يقتل شخص ما آخر من قبيلة أخري تقوم حرب شعواء تتقاتل فيها القبيلتان إلي ما شاء الله وتأخذ القبيلة المنتصرة نساء المهزومة سبايا وأطفالها وشبابها عبيداً لكن دولة الإسلام والتي أسسها الرسول في المدينة حكمها بقانون واضح وليس بالأسلوب القبلي عين بعين وسن بسن ويد بيد ورجل برجل فعندما يقتل شخص ينتمي إلي قبيلة ما، آخر من قبيلة أخري، يؤخذ القاتل ويقتل وينتهي الأمر ولم تكن مصر في يوم من الأيام قبائل متناحرة منذ فجر التاريخ وقبل محمد علي كانت تحكم بالشريعة الإسلامية وعندما أسس محمد علي مصر الحديثة أتي بالقانون الفرنسي الذي يحكم معظم دول العالم وقام بترجمته واستكمله إسماعيل وبعد أكثر من مائتي عام من ترسيخ التفكير العلمي والمجتمع المدني والعدالة العمياء لا تنظر لجنس أو دين أو عرق نأتي اليوم وتتحول مصر إلي القبلية ولا أقول ترتد كما في العنوان لأنها لم تكن أبداً هكذا إن المجالس العرفية التي عقدت عقب حوادث مماثلة لا صلح بين مسلمين ومسيحين هي قبلية ولا شك حيث يستمر المجرم بلا عقاب حقيقي وهو تجاهل للقانون والدولة الحديثة وهو ما شجع اليوم الانتقام المتبادل بين القبيلتين هل نطمع أن يعالج حادث نجع حمادي معالجة مدنية قانونية دون النظر إلي ديانة المجرم وديانة الضحية وحتي نستطيع أن نرفع رءوسنا أمام العالم ولا نخجل من كوننا مصريين بعد سبعة آلاف عام من الحضارة نتحول إلي هجية القبائل؟!