اليونان.. تراجع عائدات السياحة رغم زيادة أعداد الزائرين    الكرملين: ننتظر مقترحات أوكرانيا بشأن المفاوضات ومازلنا نحلل تصريحات ترامب    واتكينز يرحّب باهتمام مانشستر يونايتد رغم تمسك أستون فيلا    المنتج أحمد الجنايني يكشف دور هشام جمال في خروج مسلسل كتالوج للنور    الداخلية تكشف قضية غسل أموال بقيمة 90 مليون جنيه    رئيس اتحاد المحامين العرب يدين العدوان الصهيونى على سوريا ويدعو لوحدة الصف    بين التحديات الإنتاجية والقدرة على الإبداع.. المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي بمشاركة أساتذة مسرح ونقاد وفنانين    إنقاذ ذراع طفلة من ورم نادر في عملية دقيقة بمستشفى سوهاج الجامعي    إسلام عفيفي: تراث مصر كنز معرفي.. والشراكة مع الإمارات تفتح آفاقاً جديدة    5 قرارات من الهيئة الوطنية بشأن انتخابات مجلس الشيوخ 2025    وزارة الدفاع الروسية تعلن سيطرة قواتها على قرى في ثلاث مناطق أوكرانية    الأونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات تنتظر على حدود غزة.. والآلية الحالية لا تعمل مطلقا    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى .. والاحتلال يعتقل 8 فلسطينيين فى الضفة    تزامنًا مع انطلاق الدعاية.. «مصر القومي» يطالب مرشحين «الشيوخ» باستعراض برامجهم أمام المواطنين    الأهلي يستبعد وسام أبو علي من معسكر الفريق في تونس    بمنحة دولية.. منتخب الكانوى والكياك يشارك فى بطولة العالم للناشئين بالبرتغال    سحب قرعة دوري الكرة النسائية للموسم الجديد ..تعرف علي مباريات الأسبوع الأول    كباكا: قطع إعارتي جه في مصلحتي بسبب ريبيرو..النجوم مصعبين فرصتي وتريزيجيه فاجئني بهذه الرسالة    الحكومة تعلن جاهزية النسخة النهائية لمشروع قانون المناطق المركزية للمال والأعمال    شك في علاقة بين ابن عمه ووالدته فأنهى حياته في الشارع.. والمحكمة تخفف العقوبة من إعدام إلي مؤبد (تفاصيل)    وفاة شاب صعقًا بالكهرباء نتيجة شرز في كابل ضغط عالي فوق منزله بالفيوم    «أزهرية القليوبية»: انتهاء تصحيح مواد العلوم الثقافية اليوم والشرعية غدا    "IPCC" الدولي يطلب دعم مصر فى التقرير القادم لتقييم الأهداف في مواجهة التحديات البيئية    محافظ الفيوم يطالب بتسريع وتيرة العمل بملفي تقنين الأراضي والتصالح في مخالفات البناء    في الذكرى ال82 لافتتاحه... «جاير أندرسون» يحتفل بتنظيم معارض أثرية وورش فنية وتثقيفية    بعد 15 ليلة.. أحمد السقا يتنازل عن صدارة شباك التذاكر لأول مرة الأربعاء (تفاصيل)    تبدأ الأمور الغامضة في الانكشاف.. توقعات برج الميزان خلال النصف الثاني من يوليو 2025    للعام الثالث.. تربية حلوان تحصد المركز الأول في المشروع القومي لمحو الأمية    ترامب: كوكاكولا وافقت على استخدام سكر القصب في منتجاتها    أصوات البراءة غرقت.. كيف ابتلعت ترعة البداري أحلام الطفولة لثلاث شقيقات؟    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    الإسكان: كراسات شروط الطرح الثاني ل"سكن لكل المصريين7" متاحة بمنصة مصر الرقمية    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    الفرص ومواعيد الامتحان والدرجات.. التعليم تجيب عن أسئلة حول البكالوريا    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    قرار جمهورى بالموافقة على منحة لتمويل برنامج المرفق الأخضر من الاتحاد الأوروبى    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق مول «هايبر ماركت» في العراق ل63 حالة وفاة و40 إصابة (فيديو)    شوبير يكشف مفاجأة بشأن موعد عودة إمام عاشور لتدريبات الأهلي    سقوط 54 قتيلا جراء الأمطار الموسمية فى باكستان خلال 24 ساعة    أبي أحمد يكذب ورسائل حاسمة من السيسي وترامب، آخر مستجدات أزمة سد النهضة الإثيوبي    تشييع جثمان والدة الفنانة هند صبري ودفنها بعد صلاة عصر غد بتونس    كابتن محمود الخطيب يحقق أمنية الراحل نبيل الحلفاوى ويشارك في مسلسل كتالوج    مباحثات لتعزيز علاقات التعاون المشتركة بين جامعة القاهرة وجامعة جيجيانغ الصينية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 17-7-2025 في محافظة قنا    خلال زيارته لسوهاج.. نقيب المهندسين يلتقي المحافظ لبحث أوجه التعاون    وزير البترول يستقبل رئيس شركة مناجم النوبة العاملة فى مجال التنقيب وإنتاج الذهب    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير (139) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ما الفرق بين المتوكل والمتواكل؟.. محمود الهواري يجيب    التفاصيل والشروط.. إدارة المنح والقروض ب"الصحة" تعلن احتياجها لكوادر بشرية    كيف نواجه الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    «التضامن» توافق على إشهار 3 جمعيات في محافظة البحيرة    بمنهجية علمية وشهادات معتمدة.. «الأزهر» ينشر لغة القرآن في قارات العالم    مبعوث أمريكا لسوريا يحث إسرائيل على الوقف الفوري لجميع الانتهاكات بسوريا    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    الأهلي يكشف كواليس عرض الحزم السعودي لضم أحمد عبد القادر    لو لقيت حاجة فى الشارع اتصرف إزاى؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغاني الكريسماس.. درس خصوصي للرأسمالية المتوحشة!

ارتبطت الصور المجسمة عندي بكروت البوستال الثقيلة التي كنا نشتريها في الطفولة، وكانت تحتوي علي مناظر للكعبة متعددة الأبعاد والزوايا، ورغم ذلك لم أتحمس في بداية التسعينيات لمشاهدة ما سمي وقتها بأفلام الهجوم علي المتفرجين، والتي كانت تستخدم لمشاهدتها نظارات خاصة، فقد كنت وقتها محبطًا من السينما عمومًا بسبب انهيار الفيلم المصري ثنائي الأبعاد، وحتي عندما تم الإعلان عن عرض الفيلم ثلاثي الأبعاد A Christmas Carol أو كما عرض تجاريا في مصر تحت اسم أغاني الكريسماس، وجدتني أؤجل المشاهدة أكثر من مرة،
وحتي عندما قطعت التذكرة أخيرًا متشجعًا باسم تشارلز ديكنز صاحب القصة الأصلية وباسم روبرت زيميكس كاتبا للسيناريو ومخرجًا، حتي عندما فعلت ذلك لم استطع أن أمنع نفسي من الدهشة لمنظر الجمهور كبارًا وصغارًا وهم يتجهون إلي صالة العرض حاملين نظاراتهم السوداء وكأننا نتجه إلي سرادق عزاء، ولكن التجربة كانت جيدة عمومًا لجمال الفيلم القادم من مصنع ديزني الممتع، وقد أضافت التجربة ثلاثية الأبعاد مزيدًا من المعايشة والاندماج مما يجعلها مطلوبة في نوعيات محددة من الأفلام.
نظام العرض البصري ثلاثي الأبعاد الذي يتطلب طريقة خاصة في التصوير وفي شاشة العرض وفي النظارات التي نري الصورة من خلالها لا يصلح مع كل الأفلام، ولكنه يضيف فعلاً للأفلام التي تعتمد علي الخيال، وعلي السياحة الممتعة في الزمان والمكان مثل أغاني الكريسماس، القصة التي كتبها الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز تبدو - لأول وهلة - كما لو كانت مجرد حدوتة تربوية للأطفال تقدم لهم درسًا أخلاقيًا لكي يكون الإنسان لأخيه الإنسان، وبألا تصرفه المادة عن الأحاسيس والمشاعر، بل أن الفيلم والقصة هما التعبير الدرامي عن ذلك البيت الشهير الذي حفظناه في المدرسة ضمن قصيدة التينة الحمقاء، والذي يقول فيه الشاعر اللبناني المهاجر إيليا أبو ماضي: من ليس يسخو بما تسخو الحياة به فإنه أحمقٌ بالحرص ينتحرُ،
ولكن لو تأملت في مغزي الحكاية لوجدتها موجهة للكبار أيضًا، والدرس الأخلاقي لبطل الحكاية آبينزر سكروج هو أيضًا درس اقتصادي لكل رأسمالي متوحش، لقد عاصر ديكنز توحش الرأسمالية في بريطانيا، وانتقد كثيرًا صعود دولة المال والمادة في مقابل تراجع الإحساس بالآخر، وأفزعه أكثر تحوّل الإنسان إلي آلة لجلب النقود في حلبة صراع لا مكان فيها للضعفاء أو للمرضي أو لمحدودي الموهبة، وكان الضعف أو المرض ينزع عن الإنسان صفة الإنسانية، صرخة ديكنز في أغاني الكريسماس عميقة بقدر ما هي بسيطة للصغار وللكبار معًا: يا مَنْ صنعتم أموالاً.. أنتم لم تصنعوها إلاّ من خلال الناس، لولا الآخر ستموتون، ولولا المشاعر والأحاسيس لكان الحجر أكثر قيمة من البشر، عيد الميلاد ليس مجرد مناسبة للاحتفال وتناول الطعام ولكنه فرصة لكي يولد رأسمالي جديد أكثر إنسانية لا يتفضَّل علي الآخرين بشيء، لأنه - كما قلنا - لا يفعل أكثر من أن يسخو بما تسخو الحياة به.
روبرت زيمكس أراد أن يحافظ علي روح حكاية ديكنز الكلاسيكية وأن يقدمها في شكل معاصر وشديد الإبهار، ستدخل الكاميرا في البداية إلي كتاب ضخم يحمل اسم قصة ديكنز، وسنبدأ من اللحظة التي يدفن فيها سكروج صديقه وشريكه جاكوب مارلي، وسنري بُخل سكروج وهو يرتعش مقدما عملة معدنية صغيرة للقائم بالدفن، الرجل العجوز الدميم خارج الزمن، بعد سبع سنوات، الجميع يبتهجون استعدادًا للاحتفال بالكريسماس، إلاّ سكروج الذي ينتقد حماس الموظف الذي يعمل معه بوب كراتشيت، وينتقد حماس ابن أخيه فريد الذي تزوج عن حب، والذي يدعو عمه علي العشاء، ولكن الأخير يرفض، الوقت لديه يوزن بالمال، الحياة عمل ونقود فقط، وعندما يطلب منه البعض التبرع للفقراء والمشردين يتساءل في صلف: أين السجون وأين الجمعيات الخيرية؟ هذه بالضبط التينة الحمقاء، كما وصفها إيليا في قصيدته الشهيرة.
نلاحظ أن زيمكس يحول الحوارات داخل مكتب سكروج إلي ما يقترب من المشهد المسرحي مع ضوء خافت ومقبض، وحتي دخول وخروج الزوار يشبه الدخول والخروج المسرحي، وسيتغير ذلك تماماً مع التجربة التي سيمر بها سكروج في قصده الفارغ، تفتح النافذة بصوت كالرعد علي شبح شريكه الراحل مارلي وقد عاد مقيداً بالأغلال وناقلاً عذابه بالمال الذي جمعه لزميله سكروج، هذا رأسمالي مضي الوقت لانقاذه يتدخل لانقاذ رأسمالي آخر علي قيد الحياة لا يفهم مغزي الحياة، ستكون وسيلة مارلي، لانقاذ سكروج هي إرسال ثلاثة أشباح تمثل الماضي والحاضر والمستقبل تكشف الأستار، وتدخل سكروج في تجربة لاكتشاف خواء حياته، رغم ثرائه المادي الذي لا حدود له، شبح الماضي سيكشف لحظات من حياة سكروج في طفولته وشبابه، طفل وحيد يقضي ليلة عيد الميلاد بلا أصدقاء، له أخت وحيدة أصغر منه تزوره في ليلة العيد تخبره بأن والدهما عاد للمنزل وأصبح أقل شراسة، يعمل في إحدي الورش ويتعرف علي فتاة جميلة، فجأة يتحول المال إلي معبوده الجديد، الفتاة تتركه وهو يبرر تكريس حياته لجمع المال بسبب خوفه من الفقر.
شبح الحاضر ينقل إليه صورة لاحتفال الموظف الذي يعمل عنده كراتشيت بعيد الميلاد مع أسرته الصغيرة، ليس لديهم ديك رومي ولكن مجرد أوزة صغيرة، يلفت نظر سكروج الطفل تيم المقيد الحركة لإصابة إحدي قدميه بالشلل، وينقل إليه شبح الحاضر سخرية ابن اخيه فريد منه في حفل العشاء، أما شبح المستقبل فينقله وسط ندف الجليد التي تحيط إلي قبره المفترض، وإلي خادمته وهي تأخذ أغطيته بعد وفاته، ويتحول سكروج إلي قزم في حجم فأر يطلب منه الشبح فرصة لكي يصلح كل ما أفسده، فرصة لكي يصبح رأسمالياً طيباً يشعر بالآخرين، هي في الحقيقة فرصة لكي يسترد إنسانيته، يغني مع المارة، يتزحلق في سعادة علي الجليد، يداعب خادمته العجوز، يحضر عشاء ابن أخيه فريد، يستقبل كراتشيت بحفاوة ويزيد له راتبه رغم تأخره عن العمل، ويحمل ابنه تيم علي كتفيه ليدخلا من جديد كتاب الحواديت الذي خرج منه كل هذا الخيال النبيل.
استخدام النظارة والعرض البصري ثلاثي الأبعاد جعل الشاشة باتساع العالم، وادخل المتفرجين إلي تجربة سكروج المدهشة، لا حدود للزمان ولا للمكان، الحياة علي بساط الريح والكادر باتساع الملكوت، الكاميرا لم تعد تتحرك ولكنها تطفو وترقص وتصعد وتغوص، الأصوات التي جسدها جيم كاري وجاري أولدمان وكولين فيرث وروبن رايت بن وروب هوسكنز مدهشة في تعبيرها عن عالم كل شخصية والموسيقي تدخلنا إلي أجواء التجربة الثلاثية من الماضي إلي الحاضر إلي المستقبل، الألوان تصبح أكثر سخونة ودفئاً عندما يعود سكروج إلي إنسانيته، عالم كامل من الخيال نجح روبرت زيمكس وفريق عمله في تجسيده علي الشاشة، وقطع لنا تذكرة إضافية لكي ندخله بالمعني الحرفي لا المجازي، يوم الكريسماس هو يوم مولد سكروج من جديد، وهو دعوة لكل سكروج في العالم يكتنز المال لكي يتأمل ويراجع ويعيد التفكير لأن الكفن مالوش جيوب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.