الاحتفال برأس السنة بدأ من عندنا في منطقة الشرق الأوسط فلا يوهمنا الشيخ القرضاوي أنّه بدعة نتبع فيها الغرب ! ربّما كان للمصري القديم رأس سنة أخري غير التي نعرفها اليوم. وعلي بعد45كيلومترا شمال أسوان اكتشف الأثريون قائمة منحوتة علي جدار معبد (كوم امبو) بأيام الأعياد عند المصري القديم والذي اعتبر قدوم فيضان النيل ومعه الحياة رأس سنة جديدة يستحقّ الاحتفال . أمّا في بابل أو بابليون ، عاصمة البابليين التي كانت تقع علي نهر الفرات ويعني اسمها بوّابة الإله، فقد ظهر الاحتفال برأس السنة الجديدة منذ أربعة آلاف سنة. يولد السيد المسيح عليه السلام وتصبح ظاهرة الاحتفال بالعام الميلادي الجديد قريبا من يوم مولده، واحدة من أبرز معالم العصر الحديث.. وتستمرّ الرغبة واحدة عند كلّ البشر، ألا وهي أن يكون العام الجديد أفضل . وتشكّل لدي الإنسان في كلّ زمان ومكان دافعًا فضوليا للتنبّؤ بالمستقبل. ولايزال رغم تراجع الخرافة أمام المستجدّات التي أتي بها العلم الحديث يستعين بالعرّافين والمنجّمين ! في الدقائق الثلاث الأخيرة للفظ أحد أعوامنا لأنفاسه،تطلّ برأسها صور أكثر تعقيدا وسط مظاهر احتفالنا بطرق مختلفة، تتفاوت من الهدوء وبعث التمنيات الطيبة إلي الصخب يصل إلي حدّ الجنون ووقوع ضحايا. في الواقع نحن نعبّر عن انشغالنا بالماضي وتطلّعنا للمستقبل بينما نستمرّ في ارتكاب الأخطاء ، والشيء المهمّ ليس هو رقم السنة التي انصرفت وتلك التي أقدمت، وإنّما هو أنّنا لانستغني عن الفضول والقلق! هل يمكن أن يكون هناك غرض حقيقي لسيناريوهات الإحساس بالفضول والقلق تتكرّر بشكل يقارب الثبات علي رأس كل ّسنة جديدة ؟ ومن الأفكار التي تشيع في كتابات الصحف والاحاديث علي الشاشات فكرة محاسبة العام المنصرف علي كوارثه وأزماته، ثمّ فيما يشبه التنجيم نبدأ التخمين والتحليل حول تحدّيات المستقبل ! ربّما يكون أكثر ما نأمله هو أن يكون لدينا هدف نقدّمه لأحفادنا قبل نهاية الدقائق الثلاث الأخيرة لانقضاء عام واستقبال آخر . ننتبه لأخطائنا ، وتكون لدينا الشجاعة لتعريضها للتصحيح، نراقب ونحن نناقش في مصر وعلي نطاق واسع وبشكل حرّ وعلني أبعادًا تقترب لعملية إصلاحية ديمقراطية. فمثلا، يتوسّع الفضاء السياسي وتظهر قوي جديدة تبشّر بتخفيف احتكار السلطة وتقريبها من عموم المواطنين. ومثلا،تسامحت الدولة بالفعل مع مستوي متزايد من النقد والمتابعات النقدية للصحف الحزبية والخاصة الأمر الذي انتهي بتجاوز كثير من الخطوط الحمراء التي فرضت ووطئ سقفها لعشرات السنين في الصحافة المصرية والإعلام المصري. لايصعب الاتّفاق أنّ مصر تتحرّر كمجتمع موقوف أو حجز تطوّره . ويبدو أن جانبا من عدم الفهم ينبثق من صعوبة القيام بإصلاح تدريجي يتمّ بشكل سلمي ويقوم علي سياسات توافقية بين قوي آمنت مؤخّرا بالتعدّدية . وكثير من قوي المعارضة يمكن أن تتفق علي الحوار مع الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم حول مطالب الإصلاح السياسي وطموحاته،إلي حدّ التفكير في حجم المشاركة في عملية التغيير المطلوبة. هل نفكّر في لجنة عليا للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة تمثّل الأحزاب المشاركة ؟ وأيضا لقد جرّبنا تطعيم الحكومة برجال الأعمال ، لماذا لانجرّب شخصيات من أحزاب معارضة ؟ أحلام ! أوهام !لكنّ الاستمرار في تعيير أحزاب المعارضة علي أنّها مجرّد مقرّات وصحف، لم ينتج عنه سوي إنهاض آليات التعبير السلبي كالمظاهرات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات بهدف تعبئة الناس وراء مطالب الإصلاح، وتشكيل موجات من الضغط الداخلي علي النظام.. لابدّ أن تكون لنا قسمات خاصّة نحو الديمقراطية تفرضها ظروف انتقالنا من حالة شمولية وقانون طوارئ. يغطّي المشهد مئات السياسيين المحترفين وأكثر من عشرين حزبا تتفاوت في نشاطها وغيرها تحت التأسيس وعشرات الصحف اليومية والمجلاّت والدوريات ومحطّات إذاعة وأقمار اصطناعية ومحطّات تليفزيونية ومواقع الكترونية تبثّ مايحلو لها. وقدرنا علي المظاهرات والوقفات علي سلالم نقابة الصحفيين والمحامين . وتطلّع إلينا أوباما وخاطب العالمين العربي والإسلامي من علي منصّة جامعة القاهرة .. لايمكن لمن أصبحت هذه أحوالهم ألاّ يجدوا لهم طريقا نحو موجة الديمقراطية والتغيير التي تجتاح العالم ! وماهي إلاّ بضع تردّدات أخري في الوقوف ضدّ الفساد وتسهيل وتحسين الخدمات وأماني طيبة نبعثها في احتفالاتنا بالعام الجديد، حتّي يظهر الغد المأمول!