في الرابع من يناير سنة 1926، شهدت قرية طوماس وعافية في النوبة، ذلك الجزء الأصيل من نسيج مصر الوطني عبر تاريخها الطويل الممتد، ميلاد ملحن ومطرب متفرد، مسكون بالشجن البديع والألم النبيل، متطلع إلي البهجة والفرح، قادر بعذوبته ورقته وبساطته وعفويته علي أسر القلوب الإنسانية التي تتزاحم فيها المشاعر المتناقضة؛ أحمد منيب. مثل الكثيرين من أبناء النوبة، الذين تضيق بهم قراهم الفقيرة، غادر أحمد منيب في صدر شبابه إلي الإسكندرية، ومنها إلي القاهرة، الوظائف العديدة العادية التي تنقل بينها، لم تصرفه عن الموسيقي التي تمثل همه الأول، وإلي أحمد منيب يرجع الفضل الأكبر في تبني الإذاعة المصرية في الستينيات لتقديم برنامج عن الفني الغنائي النوبي، ذلك الغناء الذي يتسم بمذاق مختلف عن السائد المنتشر في القري والمدن المصرية، شمالا وجنوبا. اسهم أحمد منيب في صناعة شهرة ونجومية المطرب الكبير محمد منير، فهو الذي لحن مجموعة من أجمل أغانيه، ومنها: الليلة ياسمرة، شبابيك، حدوتة مصرية، شجر اللمون، عروسة النيل، تيار جديد وجد صدي عند من يتلهفون إلي الفن الجميل الأصيل، حيث يتعانق الحزن مع الأمل، والألم مع أحلامه التحرر والخلاص. لم يتوقف عطاء أحمد منيب عند محمد منير وحده، فقد تغنت أصوات أخري بألحانه: حنان وعلاء عبد الخالق ومني عبد الغني وإيهاب توفيق، وغني منيب نفسه، بصوته النوبي الشجي، عديدا من الأعمال الناجحة التي يرددها الملايين، ومن ينسي رائعته غير المسبوقة: الدنيا برد.. وعم خليل بيسقي الورد؟ أحمد منيب، المصري النوبي الجميل، الذي غاب عن دنيانا في فبراير سنة 1990، ما زال يمتعنا بألحانه الصادقة، فنغني معه عن مصر وحواديتها، وعن عروس النيل وأشجار الليمون وعم خليل والبرد والورود الجميلة التي يسقيها، وتنشر الدفء في أعماقنا.