كنت في مهمة حزبية يوم الأربعاء الماضي. باعتباري عضواً في هيئة مكتب أمانة الإعلام، كان علي أن أتابع مجموعة مؤتمرات لأمين السياسات في قرية منشية رضوان في الشرقية- نشاط سياسي زخم أبناء- وقد كان حاضراًَ وزير المالية يوسف بطرس غالي.. حيث لفتت نظري في مؤتمر مناقشة السياسات الزراعية طريقة دخوله وخروجه وتفاعله مع الحضور.. وبعضهم هاجمه وانتقده. بدأ يوسف الكلام بأن قال: «اطبخي يا جارية.. كلف يا سيدي».. وهي الطريقة التي رأي أنها يمكن أن يعبر بها وزير المالية عن دوره ومهمته مع حضور أغلبية من الفلاحين.. وقد اختتم مداخلته الطويلة بنفس الطريقة: «يعني شيلني واشيلك.. لا أنتم تشيلوا وأنا أتفرج عليكم.. ولا أنا أشيل وأنتم تتفرجوا علي».. وهي بدورها عملية اختتام تؤدي إلي نفس الغرض السياسي.. أي التذكير بأهمية التبادلية والأدوار المتنوعة في القيام بالمهام في عملية التنمية. وللوزير يوسف أسلوبه، قد تختلف معه، ولكن له مذاقه، مجموعة من القفشات والنكات والأمثلة العامية والألعاب اللفظية.. مقصدها الأخير ليس أن يهرج أو يخرج عن سياق الحوار.. ولكن أن يبيع رسالته. .وأن يقرب معانيها.. وأن يكون لما يقول حضور.. وإلا يبدو متعالياً ومعقداً.. وقد تكون اختياراته مثيرة للجدل.. لكنه قادر في النهاية علي أن يقنع بمضمون ما يقول.. وهو أسلوب لا يلجأ إليه إلا هو ووزير الاستثمار محمود محيي الدين.. ولكل مميزاته. يوم الأربعاء كان الوزير يوسف يسوق بنوداً جديدة في (شيلته) التي يريد توزيع أعباءها علي الحكومة والمواطنين وأطراف أخري في المجتمع.. وما بين (طبيخ الجارية) وتكلفته.. وقاعدة (شيلني وأشيلك).. كان أن طرح علي الحضور بعض أفكار وبرامج لجنة السياسات الزراعية التي تشكلت مؤخراً في مجلس الوزراء برئاسة الدكتور يوسف وتضم وزراء الاستثمار والتجارة والري والزراعة.. وهي أحد أهم نتائج مؤتمر الحزب الحاكم الأخير. ترك الوزير يوسف موضوع الضرائب العقارية جانباً.. لكنه عبر عليها أيضاً.. وقال: ليست فلسفتها أن نلم الفلوس.. الفلوس سوف تأخذ وقتاً لكي تأتي..الهدف الأهم أن نجري مسحاً عقارياً للبلد.. لكي نعرف أين تقع مناطق القصور وأين توجد مناطق الوفرة.. ومن ثم تقدم الحكومة خدماتها للأكثر والألح احتياجاً. النقطة المهمة التي سجلها وزير المالية في هذا اللقاء.. هي أن الحكومة سوف تستخدم ثقلها المالي لكي تضغط علي الجهاز المصرفي كي يمضي قدماً في تمويل الأنشطة الزراعية.. وهكذا مضي يشرح ببساطة.. أن وزارة المالية تنفذ خططها عن طريق البنوك.. والبنوك تقبض رسوماً عن العمليات التي تنفذها للحكومة.. ومقابل هذه الرسوم فإن الحكومة بثقلها سوف توجه البنوك إلي أن تمول عمليات وبرامج تحقق نقلة نوعية في القطاع الزراعي.. وإلا فإن وزارة المالية سوف تسحب من بنوك لا تقوم بذلك ميزة أن تتم عملياتها من خلالها. وهكذا تحدث عن برنامج قريب جدا لإعاده تطوير 700 ألف فدان مزروعة بالفواكه لإعادة زرعها بشتلات متطورة بهدف زيادة الإنتاجية.. وتوفير المياه لأن شرط التمويل سيكون الري بالتنقيط.. وبرنامجاً لتجميع الألبان.. وبرنامجاً لمشاركة شباب الخريجين للمستثمرين.. وقال يوسف: هذه نماذج من (دستة) برامج سوف نطرحها علي التوالي: نقطتان في سياق هذا الكلام لابد من الإشارة لهما. الأولي هي أن هناك توجهاً حزبياً حقيقياً وعاقد النية علي الانشغال بأمور قطاع الزراعة.. والفلاحين.. وكما قال جمال مبارك فإن هذا لا يتم بناء علي أسباب انتخابية.. وإنما لأن الفلاح من نسيج المجتمع، ومن الواضح أن التركيز علي هذا القطاع يستهدف نقلة نوعية متكاملة تؤدي إلي زيادة معدلات النمو وترقية حياة الفلاحين. الثانية هي أن العمل يتم بطريقة المشاركة.. هناك دعم سوف تقدمه الدولة للفلاح.. لكن في إطار خطة.. وهناك مساندة له لكن عليه أن يقوم بواجباته بخصوص توفير المياه.. وهناك رفع لأسعار المحاصيل.. ولكن علي الفلاح أن يلتزم بضوابط الزراعة.. وهناك انشغال أيضاً بصحة الفلاح.. والتأمين الصحي عليه، ولكن عليه أن يقبل أن يدفع الاشتراك الرمزي الذي لا يقارن بما يتحمله الآن من تكاليف العلاج في ظل عدم شمول النظام الحالي لأغلبية فلاحي مصر. وقد شرح الدكتور يوسف هذه المسائل المعقدة علي طريقة مثال الجارية التي لكي تطبخ لابد لها أن تطالب سيدها المواطن بأن يدفع التكلفة. الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net البريد الإليكتروني : [email protected]