كتب : نشأت الديهى للضرورة أحكام.. وكما تقول القاعدة الفقهية الرائعة.. الضرورات تبيح المحظورات فإن ما أثير حول قيام مصر بالشروع في إقامة جدار علي حدودها مع غزة يأتي في هذا السياق ومع تصاعد وتيرة الصخب الإعلامي بين التأييد والتنديد فإنني أتصور أن حوارا هادئا دون أحكام مسبقة قد يقودنا إلي حقائق ربما تكون غائبة أو مغيبة عن أغلب الذين تصدوا لهذا الملف بيد أن حزمة من البديهيات والمسلمات يتحتم علينا أن نعرضها قبل الدخول في مفردات وتفاصيل هذا الملف. هناك دور مصري قائد ورائد ومتفرد في إدارة ملف القضية الفلسطينية منذ حرب 48 وحتي لحظة كتابة هذه السطور. تحملت مصر طواعية وبمفردها جميع فواتير الصراع العربي الإسرائيلي علي مدار العقود الستة الماضية. الأمن القومي المصري خط أحمر لا يحق لأحد المساس به. لمصر الحق في اختيار الطريقة التي تراها مناسبة للحفاظ علي أمنها القومي. ليس من حق أحد كائناً من كان أن يطالب مصر بالإفصاح عن الإجراءات والتدابير التي تتخذها لحماية أمنها القومي. ليس من حق الجانب الفلسطيني الاعتراض علي الإجراءات المصرية لحماية حدودها. بيد أن توضيح هذه النقاط التي تمثل ثوابت فكرية لا يمكن الاختلاف حولها يعد ضرورة في هذه اللحظة ونحن نتناول هذا الملف المتشابك بين متطلبات الأمن القومي والحفاظ علي السيادة الوطنية من ناحية وبين الاعتبارات الإنسانية والدينية من ناحية أخري، لابد أن نعرف أن هناك ما يقرب من 1500 نفق تصل الأراضي الفلسطينية بالأراضي المصرية بأعماق تصل إلي 20 متراً وكما تقول جريدة التايمز البريطانية فإن تكلفة النفق الواحد تتراوح بين 200 و300 ألف دولار الإيراد السنوي للنفق الواحد يصل إلي مليون دولار سنويا يعمل بهذه الأنفاق حوالي 30 ألف مواطن غزاوي ويتقاضي المهربون مبلغ 1000 دولار علي الشخص الذي يتم تهريبه عبر هذه الأنفاق ومن جانبي أعرف أن أصحاب هذه الأنفاق يتعاملون مع الموقف علي أنه فرصة استثمارية وينظرون للنفق علي أنه مشروع استثماري مضمون الربح كما أن معظم هذه الأنفاق تم حفرها في ظل سيطرة حركة حماس علي زمام الأمور في القطاع أما نوعيات البضائع التي يتم تهريبها من خلال هذه المعابر فهي تبدأ من الحليب والطحين ولعب الأطفال حتي تصل إلي السيارات! وإذا كان مقبولا من الناحية الإنسانية أن يغض المصريون الطرف عن بعض هذه الأصناف فماذا يمنع الأخوة الغزاويين من تهريب أسلحة ومخدرات من وإلي مصر؟ ولعل تصريحا علي لسان وزير خارجية حركة حماس محمود الزهار بأن أسلحة تدخل إلي غزة عبر هذه الأنفاق لكنها أبدا لن تستخدم ضد مصر! تصريح لا يمكن تجاوزه علي أنه رعونة أو حماقة أو زلة لسان بيد أنه قد يمثل إحراجا لمصر الكبيرة رغم أنف كل الأصفار وكل الصغار أما تلك التصريحات الخرقاء لسامي أبوزهري المتحدث الرسمي باسم حركة حماس في أعقاب تظاهرة غزاوية حمساوية للتنديد بمشروع الجدار المصري علي الحدود المصرية فهي تعبر بجلاء عن حجم الكارثة وتصل بنا إلي جذور المشكلة علي حدود مصر الشرقية فتلك التصريحات الغريبة والمرفوضة شكلا وموضوعا توضح لنا بجلاء ماذا يدور في عقل وفكر قادة حماس تجاه مصر وسيادة مصر وأمن مصر القومي فهم يعتبرون أنفسهم شركاء للقرار المصري وأوصياء عليه لذلك فهم يرفضون ويستهجنون ويستنكرون! ورغم أننا علي قناعة لا تتزعزع بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف ويجب علينا أن نبذل الغالي والنفيس لتحقيق ذلك الحلم وإحقاق الحق لكن رغم هذه القناعات وهذه الآلام يبقي الأمن القومي المصري هو الأهم والأولي بالرعاية فوجود 1500 نفق غير شرعي تخترق الحدود المصرية يمكن أن يمر منها السلاح والمتفجرات والمخدرات وأجهزة التنصت والتجسس يحتاج إلي وقفة جادة وحاسمة من الجانب المصري كما أن النفوذ الإيراني المتنامي في قطاع غزة عبر علاقات وثيقة بين إيران وقادة حماس من ناحية وبين حزب الله وحماس من ناحية أخري بات أمراً مقلقا للجانب المصري الذي الذي يتحتم عليه اتخاذ حزمة من الإجراءات والتدابير لإجهاض المشروع الإيراني المتنامي في المنطقة، بيد أن وجود هذه الأنفاق بهذه الصورة وباعتراف قادة حماس شيء يمثل إحراجا للسيادة المصرية أمام العالم إني تقابلت مع العديد من الأخوة الفلسطينيين وأجريت حوارات مفتوحة وصريحة وبلا سقف حول موضوع الجدار والأنفاق وكانت المفاجأة الحقيقية لي شخصياً تأييد هؤلاء الأخوة الفلسطينيين لكل الخطوات والتدابير التي تقوم بها الإدارة المصرية لحماية حدودها وأبدي هؤلاء تخوفهم الشديد من بقاء هذه الأنفاق بهذا الشكل الذي يمثل قمة للفوضي والانتهازية بعيداً عن شعارات الأبعاد الإنسانية التي تستغل في أغراض استثمارية وسياسية وعسكرية إنني أتذكر ما حدث في يناير 2008 عندما اقتحم الأخوة الغزاويون المعابر وحطموا الأسوار واندفعوا إلي الأراضي المصرية بشكل أثار قلق الجميع.. وتعاملت مصر بحكمة بالغة واستطاعت امتصاص الصدمة وتحجيم الأزمة لكن وكما يقولون مش كل مرة تسلم الجرة لكل ما سبق يأتي أهمية بناء جدار ليحمي أهل الدار مع ضرورة تنظيم فتح المعابر وحرية دخول السلع والمنتجات والمتطلبات الإنسانية الأساسية للشعب الفلسطيني في غزة في نفس الوقت، لكن أشد ما يحزنني أن البعض يتناول هذا الموضوع بعيداً عن المنطق والعقل مدفوعاً بمشاعر إنسانية ضارباً عرض الحائط بمتطلبات الأمن القومي وحرمة السيادة المصرية وهناك فصيل من الكتاب والمحللين يحمل رأيين أحدهما للنشر أمام فضائيات بعينها والآخر أمام الأصدقاء والمقربين وفي الحجرات المغلقة بيد أن قضية الأنفاق يتم التعامل معها بمنطق المجاملات التي تصل إلي النفاق في أحيان كثيرة إنها قضية لا تحتمل ترف الحوار.