هكذا كانت تذهب توقعات كثيرة في وصف وتحليل وتقييم ما حدث في إيران من الانتخابات الرئاسية من اعتراضات واسعة علي ما حدث فيها، واعتبره الرافضون لنتائجها تزويرا واسعا منح فوزا لنجاد لا يستحقه.. كان أصحاب هذه التوقعات يعتقدون أن النظام الإيراني الحاكم قوي بما يمتلكه من أدوات وأجهزة وقوات أمن، خاصة أنه قادر علي أن يكمم الأفواه وأن يسحق بعنف أي اعتراضات جماهيرية ضده.. وأن يفرض سطوته وسيطرته علي الشارع المضطرب. لكن مضت الأيام والهوجة لم تخمد.. استمرت.. واتسعت.. وانتقلت من طهران إلي مدن إيرانية عدة.. لقد تحولت هذه الهوجة من معارضة ورفض لنتائج الانتخابات إلي معارضة ورفض للنظام الإيراني الحاكم ذاته.. لم يعد الرفض مقصورًا علي الرئيس الإيراني نجاد الذي يشكك المعارضون الإصلاحيون في فوزه بالانتخابات الرئاسية وأحقيته بمقعد الرئاسة، إنما اتسع الرفض ليشمل المرشد الأعلي في إيران ذاته، وذلك بعد أن انحاز علانية وبسفور خامنئي إلي نجاد ضد المعارضة، وبعد أن انضم إلي حملات التشهير بالمعارضين، وحملات التهديدات لهم، والتحريض علي النيل منهم. بل إن المعارضة اتسعت أكثر لتتجاوز الشخوص إلي شرعية النظام الحاكم وأساس الحكم في إيران، وهو ولاية الفقيه، ليطرح بدلا منها ولاية الشعب. ستة أشهر مضت علي الانتخابات الرئاسية ولم يهدأ الشارع الإيراني.. مظاهرات هنا وهناك.. وصدامات مستمرة مع قوات الأمن.. «الباسيج والحرس الثوري».. جرحي وقتلي يسقطون.. حرائق.. غلق شوارع.. اعتصامات.. هتافات تدعو بالموت للديكتاتور والحرية للشعب. حدث ذلك رغم أن النظام الإيراني استخدم تقريبا معظم ما لديه ويملكه من أدوات ووسائل لقمع المعارضة الإصلاحية.. اعتقالات.. محاكمات، تصد بالقوة وبالسلاح للمتظاهرين.. التشهير بقادة المعارضة الإصلاحية، وتهديدهم ومطاردتهم.. اغتيالات.. تضييق وتعتيم إعلامي، وسيطرة علي وسائل الاتصال الحديثة.. تعذيب في السجون للمعتقلين وإرهاب أهلهم.. إخراج متظاهرين يؤيدون النظام.. طرد للمعارضة من رحمة النظام.. إغلاق جامعات وفرض الطوارئ. لم تخش المعارضة كل ذلك وتحدته.. فانطلت المظاهرات تغمر شوارع طهران والمدن الإيرانية الرئيسية.. ولجأ المعارضون إلي ابتكار وسائل مختلفة في معارضتهم.. هتافات أعلي المنازل.. استثمار كل مناسبة للتجمع وإظهار رفضهم للنظام الحاكم.. تجاوز القيود الإعلامية ونشر صور احتجاجاتهم وصور المصادمات الدامية.. تشكيل تجمعات لأهالي المعتقلين. وبدا الأمر أن قادة المعارضة لو حاولوا اليوم التهدئة لن يفلحوا.. الاحتقان ساد الشارع الإيراني.. وإيرانيون كثيرون صار لديهم ثأرا لدي النظام الحاكم، خاصة أن سقوط القتلي لا يتوقف حتي ولو حاولت أجهزة الأمن الإيراني اتهام «المعارضين المشاغبين» بأنهم هم القتلة. وحتي الآن لا يبدو أن المعارضة الإيرانية سوف تتوقف أو أن الشارع سوف يهدأ وتعود الأمور إلي حالها، ويعود النظام الإيراني إلي فرض سيطرته وبطشه بالقوة علي الإيرانيين.. لم يبق أمام النظام سوي سلاح واحد لم يستخدمه بعد، وإن كان قد هدد باستخدامه، وهو اعتقال أو اغتيال قادة المعارضة.. خاتمي وموسوي وكروبي، وربما رفسنجاني الذي لم ينج من تهجم أنصار المحافظين عليه ومطاردتهم لاثنين من أبنائه. ولكن إذا حدث ذلك فإنه من المشكوك فيه أن يؤدي إلي إخماد هذه المعارضة واحتوائها.. بل ربما قد يزيد ذلك من حدة الأزمة وانفجار مزيد من الغضب.. وهذا هو درس التاريخ. وفي هذا الجو قد لا يكون أمام النظام الإيراني الحاكم سوي أمرين احلاهما مر.. إما تراجع كبير في قضية الملف النووي وإما قفزة كبيرة أيضاً في هذا الملف إلي المجهول.. وكلا الأمرين سيلحقان خسارة بالحكم الإيراني.. ربما ليست اليوم ولكنها حادثة في الغد.