تحليل موقف.. وقراءة للرؤي(1) لم يشأ عام 2009 أن يمر قبل أن تنفجر في المجتمع السياسي المصري ظاهرة لافتة للنظر.. تعبر عن نفسها في إعلان عديد من الأشخاص بأساليب مختلفة رغبتهم في أن يكونوا ضمن قائمة مرشحي الانتخابات الرئاسية في عام 2011 . ومنهم من قالها بوضوح.. ومنهم من قالها بالتفاف.. ومنهم من يتردد في إعلانها صريحة وإن كان قد قالها بالفعل. وهي حالة إيجابية علي كل حال.. وتؤكد أن التعديل الدستوري التاريخي الذي أجراه الرئيس مبارك في فبراير 2005 يحرز نتائجه رويدًا.. رويدًا.. حتي لو كان كل ما يقوله هؤلاء المرشحون مجرد تصريحات وأمنيات.. أكثر من كونه خطوة فعلية علي طريق هؤلاء نحو الانتخابات. في القائمة الآن محمد البرادعي، وعمرو موسي، وأيمن نور، وحمدين صباحي، وربما سامح عاشور.. ومنهم من ألمح ومنهم من صرح ومنهم من يجد من يحثه علي أن يفعل. وقد قلت في بداية هذا الجدل تعليقا علي تصريحات مختلفة للدكتور محمد البرادعي إن من حق أي مواطن وفق الدستور أن يسعي إلي نيل أي موقع في مصر.. بدءًا من رئاسة ناد واتحاد ملاك عمارة وحزب وحتي رئاسة الجمهورية.. غير أن لكل من تلك المناصب مقومات يجب أن تتوافر فيمن يريد السعي إليها.. فلكي تكون رئيسًا لجمعية لا بد أولاً أن تنضم للجمعية.. ولكي ترأس اتحاد ملاك عمارة لا بد أن تسكن في العمارة.. ولكي تكون مرشحا لرئاسة الجمهورية لا بد أن تنطبق عليك شروط المادة 76 من الدستور. ومن جانبي فإنني لا أهتم بعمليات الابتزاز التي يمارسها بعض الذين أعلنوا أو أبدوا رغبات الترشيح أو مناصروهم.. بألا يعلق عليهم ولا يناقشوا.. وتوصيف البعض للنقاش حول ما يردده هؤلاء المرشحون بأنه إرهاب وترهيب.. هذا كلام فارغ.. ولا يوجد مقدسون.. وطالما أن البعض طرح نفسه للرأي العام فإن عليه أن يقبل نقاش الرأي العام.. وفئاته وأقلامه. ومن بين كل المرشحين المفترضين أو الملمحين فإنني أتوقف أمام مجموعة التصريحات التي أدلي بها كل من الدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسي.. والأول كان موظفًا دوليًا والثاني لم يزل يشغل موقعًا إقليميًا بناء علي ترشيح مصر ومساندتها في مواجهة أنواء رفض من كثير من الأشقاء العرب لا أعتقد أنها أصبحت سرًا. ومبرري في الاختيار واضح ومكشوف.. ذلك أن كليهما له جاذبية محددة، بغض النظر عن افتقادهما المقومات الدستورية، البرادعي وإن أقام خارج مصر نحو نصف عمره إلا أنه يبدو لافتًا تليفزيونيًا ويعضد الاهتمام النخبوي والإعلامي به كونه من بين الأربعة المصريين الفائزين بجائزة نوبل، وموسي يتمتع بشعبية ملموسة تقوم علي افتراض أنه يعارض إسرائيل.. كما لخصت ذلك أغنية شعبية شهيرة.. بخلاف ما يميزه من مقومات شخصية ومكانة دبلوماسية. الأول أدلي بحوار مطول لجريدة الشروق، عبر فيه عن نظرته السياسية والاجتماعية وانشغاله بالهم المصري.. وهو أمر لم يكن معروفًا عنه من قبل، فهو يتقافز بين الوظائف الدولية منذ 29 سنة، والثاني أدلي بحوار مطول بدوره بعد الأول لجريدة المصري اليوم، عبر فيه عن وجهات نظر في الواقع، وتمنيات للمستقبل، ولم يبتعد كثيرًا عن مضامين ما قال البرادعي.. وإن صاغه بطريقة لا يختلف أحد علي عمق ذكائها.. وهو ذكاء لم يفر به من المعاني التي قصد التصريح بها. وما يلفت النظر في الاسمين أن كليهما دبلوماسي.. إما إنه لم يزل كذلك كما هو السيد عمرو موسي أو تقاعد عن عمله الدبلوماسي منذ وقت وجيز كما هو حال الدكتور البرادعي وقد كشف الأمين العام لجامعة الدول العربية أن بينهما علاقة مصاهرة.. بخلاف تواصل ومودة.. غير أنه لم يقل إن كليهما ينتمي في تاريخ عمله إلي فريق وزير الخارجية الراحل والأسبق السيد إسماعيل فهمي الذي استقال من موقعه لخلاف مع الرئيس السادات إبان مبادرته من أجل السلام مع إسرائيل. وكلاهما غير حزبي، ولم يتطرق إلي السياسة الداخلية المصرية من قبل في أي من مواقفه، وكلاهما يتعالي علي أن يكون مرشحًا عن أي حزب مصري.. البرادعي رفض.. رغم تكرار العروض.. وموسي قال إنه لو قبل سوف تكون هذه انتهازية سياسية.. وكلاهما لا يجد أن عليه أن يسعي إلي طلب أصوات أعضاء مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية كما تنص المادة 67 بخصوص الترشيح للانتخابات الرئاسية كمستقلين.. ومن ثم فهما حتي الآن (مرشحان بالنوايا).. لم ينفيا ولم يؤكدا.. ولكنهما بعد أن كانا مطروحين من قبل الآخرين صارا مطروحين من قبل نفسيهما.. وأبديا مواقف تدعو إلي التأكد من أن لديهما نوايا معلنة.. وإن كانت الطريق مغلقة علي حد قول عمرو موسي. والمؤكد أن توقيت التعبير عن هذا يبدو لافتًا جداً.. خصوصا فيما يتعلق بموقف عمرو موسي نفسه.. الذي لا أريد أن أقول إنه قد دفع دفعا إلي أن يحتجز لذاته موقعًا في ساحة الصخب بعد أن امتلأت بالجدل حول البرادعي.. فاختار أن يدلي بحوار بعد أن انتهي البرادعي من حواره بيومين.. في حين أن أمامه علي الأقل وفق ما قال ما لا يقل عن عام ونصف العام في موقعه العربي.. وفي حين أنه قد قالها صريحة إن الطريق أمامه نحو الترشيح مغلق، فهل يريد بذلك أن يفتح الطريق أمام ترشيح آخر؟.. لست أدري. من جانبي، وعلي الرغم من أنني أري في كليهما مقومات شخصية مميزة، تجعلهما في مصاف النخبة المصرية المرموقة والمقدرة، إلا أنني لو كنت أمام صندوق التصويت.. وافترضت جدلا أن أيا منهما مرشح للانتخابات الرئاسية.. فإنني لن اختار أيا منهما حتي لو تحصل علي المقومات الدستورية.. لأكثر من سبب: - الأول: التميز بالذاتية المفرطة.. وهذه مسألة سوف أتطرق لها فيما بعد. - الثاني: إن كليهما علي الرغم من دعوتيهما للتغيير قد تعرضا في مناسبات ومواقف مختلفة لاختبارات جوهرية لكي يطبقا التمنيات التي يعدان بها الجمهور ولم يفلحا في ذلك.. فالأمين العام لجامعة الدول العربية لم يقو علي تغيير الواقع العربي الذي ينتقده علي مدار الساعة.. ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق خاض عدة أزمات لم يحقق فيها تحولا.. خصوصا مسألة السلاح النووي الإسرائيلي.. مما يعني أن شعاراتهما تتلاشي حين تكون علي المحك.. وأمام ضغوط الواقع. - الثالث: إنني لا أستطيع أن أتقبل نفسيا أن رئيس مصر الذي أنتخبه كان من قبل قد تعرض لشد وجذب من الأطراف الدولية والإقليمية التي وظفته.. كأن يضطر الدكتور البرادعي للرضوخ لتعليمات أمريكية عبر وزيرة الخارجية كونداليزا رايس فيما يتعلق بطريقة إدارة وكالة الطاقة الذرية لملف ما.. أو أن يستمع الأمين العام لجامعة الدول العربية لانتقادات لا لبس فيها من قبل رئيس عربي بشأن موقف ما اتخذه.. مثلما فعل معه الرئيس محمود عباس في مكالمة تليفون شهيرة وطازجة قبل أسابيع بشأن تصريحاته بخصوص تقرير حقوقي عن أوضاع حرب غزة. لا أستطيع أن أتقبل ذلك نفسيا.. والتقبل النفسي الشخصي لا ينفي حق أي موظف مصري كبير.. محلي أو إقليمي أو دولي في أن يترشح لمنصب الرئيس.. وقد يقول البعض إن الأمر يتوقف علي طريقة تعامل كل منهم مع هذه الضغوط اليومية ممن يوظفونهم.. هذا صحيح.. ولكني عبرت عن موقفي النفسي. بشكل عام فإن في المواقف والرؤي التي أعلنها السيدان البرادعي وموسي ما يستوجب التدقيق وتحليل المضمون.. ومن ثم أواصل غداً. [email protected] www.abkamal.net