مائة عام وعام تمر اليوم علي افتتاح الجامعة الأهلية الرسمية، ففي الحادي والعشرين من ديسمبر سنة 1908 ، بدأت مصر عهداً جديداً في رحلتها مع العلم والمعرفة، وتأسست أول جامعة عصرية حديثة، معنية بالتواصل مع العطاء العلمي والثقافي غير المرتبط بالعلوم الدينية التقليدية الموروثة ذات الطابع المحافظ، ثم تحولت هذه الجامعة بعد سنوات قلائل إلي جامعة حكومية تشرف عليها الدولة، وسرعان ما نشرت الجماعات حتي غطت معظم ربوع مصر، فلم تعد الكليات والمعاهد قاصرة علي القاهرة وحدها، وبعد أن كان الطلاب الجامعيون يعدون بالعشرات، فإن خريجي الجامعات المختلفة قد تجاوزوا الملايين في جميع التخصصات. مائة عام وعام علي ميلاد الجامعة، ولاشك أن المأمول يفوق كثيراً، ما تحقق بالفعل، ذلك أن مؤشرات عدة توحي بالردة والتراجع، من الذي يستوعب أن بداية القرن الثاني لميلاد الجامعة المصرية يشهد مثل ذلك الصراع الغرائبي حول النقاب؟! وأي تفسير مقنع للمظاهرات الحاشدة التي تطالب بالحق المطلق، غير المقيد وغير المشروط، للطالبة الجامعية في ارتداء النقاب وستر الوجه كأنه الخطيئة والعاررر؟!. باسم الحرية الشخصية تشتعل معركة تافهة لا أهمية لها أما الحرية الحقيقية المرتبطة بكل ما هو علمي مستنير فلا موضع لها أو اهتمام بها. النقاب ليس فريضة دينية كما يعرف الجميع، والأمر أقرب إلي افتعال معركة لاستعراض القوة واختبار النفوذ. أي مستقبل ينتظر الثقافة المصرية عندما تغطي مثل هذه الاهتمامات السطحية، ويتراجع العقل والتطلع إلي كل ما هو إيجابي ومثمر؟ أي علم ينتصر له التيار الظلامي الشكلي المتعنت، الذي ينشر خفافيشه في كل مكان متسترين تحت الرايات الدينية المزيفة! لا أحد ينجو من مصاصي الدماء هؤلاء، وفضيلة شيخ الأزهر نفسه ليس بعيداً عن سهامهم المسمومة وحملاتهم الظالمة المتجنبة، فيالها إساءة غير مسبوقة إلي الدين والدنيا معاً؟!