قرأت مؤخراً بعض التصريحات للدكتور رفيق حبيب حول مسألة العروبة والهوية. وهي تصريحات تحتاج إلي التعليق لما تتضمنه من أحكام عامة.. أختلف تماماً مع دقتها.. خاصة فيما يتعلق بتحديد الأسباب لتحليل الواقع المصري بشكل حقيقي، وليس بشكل وهمي افتراضي. يقول د. رفيق حبيب (بدأت تعود دعوات القومية المصرية لفصل مصر عن محيطها العربي، وقد ظهر تأثير هذا الشحن في مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر). وفي الحقيقة لم أستطع أن أبرر هذا الكلام الذي يتناقض مع مجمل التجاوزات التي تعرض لها المشجعون المصريون سواء في مصر أو في السودان. وربما لم يقرأ رفيق حبيب جيداً ما نشرته جرائد الجزائر في هذه المشكلة. تري، هل كان من المطلوب من مصر ومواطنيها أن يعلنوا موافقتهم علي التجاوزات الجزائرية للحفاظ علي عدم فصل مصر عن محيطها العربي. أم أنه كلام مرسل لدعاة القومية العربية ومريديها. وهو ما يجعلني أرفض بشدة أيضاً ما يقوله بشأن كون (الانتماءين العربي والإسلامي.. حاضرين لدي أغلبية المجتمع المصري). ومن جانبي أتساءل: هل ما يحدث هو انتماء عربي وإسلامي حقيقي أم أنه مجرد ظواهر صوتية بدون مضمون حقيقي علي غرار حالة التدين الشكلي والظاهري التي تسيطر علي المجتمع المصري الآن. ويترتب علي ما سبق أيضاً خطورة ما يروج له رفيق حبيب من أن (الهوية المصرية.. تطغي في ثقافة المسيحي المصري) في شكل يحمل شبهة هذا الانتماء ضد الهوية العربية المنكوبة والمظلومة. وذلك رغم علم رفيق حبيب قبل غيره أن رواد القومية العربية من المسيحيين بداية من مكرم عبيد ووصولاً بأبو سيف يوسف. غير أن القومية العربية عندهم هي هوية ثقافية وحضارية ليس لها علاقة مباشرة بالدين. وهو ما يأتي علي النقيض مما يحدث الآن من الربط القصري بين القومية/ الهوية العربية والقومية/ الهوية الإسلامية لدرجة أن تحول الأمر عند الجماعة المحظورة التي يرتبط بها رفيق حبيب بالقول (طظ في مصر)، وجواز تولي أندونيسي مسلم رئاسة مصر. يحسم رفيق حبيب رأيه بقوله أن (الكنيسة مسئولة عن الهوية التي تربي عليها النشء، ونجد أنها في مصر تزرع الهوية المصرية القائمة علي فك الروابط مع العرب. إلا أن بعض الكنائس ما زالت تربي النشء علي فكرة الارتباط بالعروبة مثل الكنيسة المارونية في لبنان). وهو هنا يحمل الكنيسة أكثر مما تحتمل، وأعتقد أنه يتفق معي في الفرق بين التشجيع علي التفاعل الوطني بصوره المتعددة (السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية)، وبين ترسيخ الهوية المصرية التي نعيش تحت مظلتها. وبمعني آخر، فإن الكنيسة ليست مطالبة سوي بترسيخ هويتنا الوطنية المصرية، أما الهويات الأخري التي تأتي في مقدمتها بدون نقاش.. الهوية العربية.. فهو ارتباط ثقافي وحضاري، وغير مشروط بالهوية الدينية حسب معتقدات الجماعة المحظورة، أو حسب توجهات حركة حماس، أو حسب ما تفرضه آيات الله الإيرانية وملاليها.