فوجئت ببعض الشباب ينشرون في بعض المواقع والفيس بوك Facebook مطالبات بمنع بناء منارات الكنائس في مصر، للمعاملة بالمثل مع سويسرا التي حظرت بناء المآذن في الاستفتاء الأخير!! تأملت بعقلانية معظم هذه الكتابات ووجدتها عاطفية تتضمن غيرة حماسية غير عقلانية، إضافة لعدم معرفة هؤلاء الشباب لعدة حقائق مثل: أولاً: أن المسيحيين المصريين مواطنيون مصريون لم يسبق لهم المشاركة في أي استفتاء في سويسرا، كما أن الحكومة السويسرية والكنيسة في سويسرا عارضوا هذا الاستفتاء. ثانياً: إن تاريخ المواطنين المصريين الأقباط مليء بالمواقف الوطنية منذ أن شاركوا إخوانهم المسلمين في صد الهجمات والحملات الصليبية المتكررة حتي دحرها، ولكن يبدو أن كتب التاريخ التي يدرسها هؤلاء الشباب في مراحل التعليم المختلفة لا تشير لمواقف الأقباط الوطنية علي مر التاريخ القديم والمعاصر. ثالثا: أن المواطنين المصريين الأقباط ليسوا جالية أجنبية وافدة علي مصر بل هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والحضارة المصرية علي امتداد مكوناتها من الفرعونية إلي القبطية إلي الاسلامية (بعد الفتح الاسلامي 641م) وصولاً لموقف البابا شنودة الثالث المعادي للتطبيع. رابعاً: كما أن كل القيادات المسيحية الدينية استنكرت ما أسفر عنه الاستفتاء السويسري ولا أجد نفسي بعيدا عن تلك الآراء وأضم صوتي لصوتهم. خامسا:ً إن الأفكار المخطئة عن أوروبا كونها مسيحية لابد من تصحيحها والإشارة إلي أن الغالبية العظمي من الأوروبيين علمانيون أو ملحدون، وليس أدل علي ذلك من الهجوم المتكرر في الأفلام والكتابات علي المسيحية والمسيح. سادساً: وبدون دواعي الحرج فإن بناء الكنائس في مصر يواجه عقبات فجة حتي بعد تدخل الرئيس مبارك وإسناده مرجعية بناء الكنائس وترميمها إلي المحافظين، فدائماً ما نجد ردود أفعال غاضبة يواجهها الأقباط من بعض المتعصبين من أشقائهم المسلمين أثناء ترميم أو بناء الكنائيس وبالذات المنارات حتي يكاد يكون الأمر مرضاً مزمناً وعضالاً.. ولايزال مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة يراوح مكانه في مجلس الشعب ولا يخلو تقرير للمجلس القومي لحقوق الانسان (كمنظمة شبه حكومية) من المطالبة بالإسراع بسن هذا القانون لأن أكثر من 60٪ من المصادامات الطائفية في مصر ترتبط ببناء الكنائس. سابعاً: أن معظم الدول الأوروبية استنكرت هذا القانون وطالبت باللجوء للمحاكم الأوروبية لإلغائه، يحدث ذلك في الوقت الذي تحظر فيه بعض الدول العربية والإسلامية بناء الكنائس أو حتي دخول الإنجيل المقدس رغم وجود القرآن الكريم في كل المكتبات الأوروبية بما فيها مكتبات الفاتيكان، وعدم حظر بناء المساجد في العواصم الأوروبية بما فيها العاصمة الإيطالية التي تحتضن الفاتيكان، إن القضاء علي روح التعصب البغيض لن يموت بدون شفافية وبدون وضع الملح علي الجرح وذلك هو الموضوع الذي تناولته في كتابي: "الأقباط بين الحرمان الوطني والكنسي".. الذي فندت فيه ثلاثة أوجه للتمييز ضد المواطنين المصرين الأقباط سواء كان تمييز بالقانون أو بالعرف أو بالمناخ المتعصب الذي يعلوا أحيانا ويخفت أحيانا أخري، ومن ثم فنحن نتكاتف جميعا للدفاع عن الدولة المدنية التي ترتكز علي مبدأ المواطنة والحقوق والواجبات وفق المبادئ الدستورية، ومن ثم لا أجد أي غضاضة في أن أذكر هؤلاء الشباب بقول السيد المسيح: "يجب أن تخرج القشة من عينك قبل أن تخرجها من عين أخيك".