دخل طفل صغير لمحل الحلاقة.. فهمس الحلاق للزبون الجالس أمامه قائلا: هذا أغبي طفل في العالم.. انتظر وأنا أثبت لك حالا.. ثم قام الحلاق بوضع درهم بيد و25 فلسا باليد الاخري ونادي الولد وعرض عليه المبلغين.. أتأخذ هذا أم ذاك؟ وبدون أن يجيب، أخذ الولد ال 25 فلسا ومشي.. قال الحلاق لزبونه: ألم أقل لك، هذا الولد لا يتعلم أبدا.. وفي كل مرة يكرر الأمر نفسه. عندما خرج الزبون من المحل قابل الولد خارجا من محل الأيس كريم فدفعته الحيرة أن يسأل الولد.. فتقدم منه وسأله: لماذا تأخذ ال 25 فلسا كل مرة ولا تأخذ الدرهم؟ قال الولد ببساطة وثبات: لأنني في اليوم الذي آخذ فيه الدرهم سوف تنتهي اللعبة.. وعندها سوف لا أحصل لا علي الدرهم ولا علي ال25 فلسا مرة أخري!! أحيانا نعتقد أن بعض الناس أقل ذكاء وأننا نحن الأكثر ذكاء.. وغالبا ما نتصور أن ما يتعارض مع نماذج التفكير التي نشأنا عليها هي نماذج خاطئة للتفكير.. فقد اعتقد الحلاق أنه طالما لا يأخذ الطفل النقود الأكثر فهو غبي.. وظن أن تكرار النموذج دليل علي أن الطفل هو أغبي الأغبياء.. ولم يطرأ بذهن الحلاق أبدا أن يسأل نفسه: لماذا لا يأخذ الطفل النقود الأكثر! وبينما هو مقتنع بنموذج التفكير البسيط الذي نشأ عليه، بل يحاول أن يقنع به الآخرين عن طريق تكرار التجربة أمام أعينهم، كان الولد الذكي جدا جدا يفكر بأسلوب أكثر حداثة وأكثر تعقيدا من نمط الحلاق البدائي. كان الطفل العبقري يفكر بطريقة الفرض، وتخيل النتائج، وبالتالي اختيار البديل الأكثر أمنا.. فقد افترض ما سيحدث إذا قام بأخذ المبلغ الكبير، عندئذ سوف تفشل لعبة الحلاق الغبية التي يتباهي بها أمام زبائنه لإثبات غباء الولد.. وعندها سوف لا يقوم باللعبة مرة أخري خشية ضياع دراهمه.. ويخلص الولد في النهاية إلي أن بديل المبلغ الضئيل هو الأفضل علي المدي البعيد لأنه سيضمن استمرار اللعبة، وتباهي الحلاق بذكائه وغباء الولد، وتوالي ال 25 فلسا يوما بعد يوم مما يسمح للطفل بتناول ما يحب من الأيس كريم. أعجبتني القصة لأنها واقعية جدا وتمس جانبا حياتيا مُعاشا في يوميات كل منا.. فنحن كثيرا ما نقلل من شأن الكثيرين ممن هم أقل عمرا أو ثقافة أو تعليما منا.. ونعتقد أننا بلا أدني شك أكثر ذكاء ومعرفة وخبرة وفطنة منهم.. بل قد يمتد بنا كبرياؤنا لإلغاء أي احتمال لذكاء الآخرين أو قدراتهم.. ونتعامل معهم ومع أنفسنا علي أننا (الحلاق) الذي يقوم بتقييم ذكاء الآخرين من عدمه.. ولا نعطي أنفسنا ولو فرصة واحدة لاكتشاف منطق الآخر وأسلوب تفكيره.. فنبعده ونستبعده تماما، ونحرم أنفسنا من تعلم أي جديد. والواقع أننا غالبا ما نتجاهل هذا البيت: لا تحقرن صغيراً في مجادلة * إن البعوضة تدمي مقلة الأسد