أهم أخبار الكويت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025.. «نزاهة» و«سهل» يفوزان بجائزة التميز الحكومي العربي    رئيس مصلحة الجمارك: نتطلع إلى نقلة نوعية في كفاءة وسرعة التخليص الجمركي للشحنات الجوية    نعيم قاسم: تعيين مدني بلجنة الميكانيزم سقطة لحكومة لبنان    توغل إسرائيلي جديد في ريف القنيطرة جنوب سوريا    بعد مقتل أبو شباب.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بإسرائيل لتسليم أنفسهم    النني: أغلقنا صفحة الكويت ونستعد بقوة لمواجهة الإمارات    أجيال مختلفة في رحاب متحف نجيب محفوظ ضمن مبادرة فرحانين بالمتحف الكبير    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    رويترز: بشار الأسد تقبل العيش في المنفى.. والعائلة تنشئ جيشا من العلويين    الداخلية تشارك المواطنين الاحتفال باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة| فيديو    الزمالك يترقب قرار اتحاد الكرة بشأن قضية زيزو.. واللاعب يجهز للتصعيد    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    حالة الطقس.. تغيرات مفاجئة فى درجات الحرارة وانخفاض يصل 4 درجات    تموين المنوفية تضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة وتحرر 231 محضرًا خلال يومين    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    السقا ولقاء الخميسى وعمرو مصطفى والشرنوبى يحضرون مسرحية أم كلثوم    ميادة الحناوي ترد على استخدام AI لتحسين صوتها: مش محتاجة    رمضان 2026| جهاد حسام الدين تنضم لمسلسل عمرو سعد "عباس الريس"    الصحة: فحص 7 ملايين طالب بمبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    سام ألاردايس: انتقاد كاراجر ل صلاح «مثير للشفقة»    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    اتهامات جديدة لوالد المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية    اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    لاعب الإمارات: مصر تنتج لاعبين وأساطير على مستوى عال وهذا ليس غريبا    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر البريد المصري    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدى لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    جميلات فنزويلا يحملن البنادق الآلية للتصدي لمواجهة ترامب    كأس العرب - وسام أبو علي يكشف حقيقة مشاركته مع فلسطين في البطولة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقايا هيكل ! (17)
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 09 - 12 - 2009


"البصباص" وذاكرة مصر!
متي انتهي الزحف الامبراطوري؟
يقول هيكل: "كتب التاريخ اللي درسنها يعني لكن أنا في هذه الفترة وكل فترات غيرها أفضل جداً الرجوع إلي الوثائق الأصلية لكي نتبين ماذا كان في ذهن المتصارعين والمخططين والقوي الإمبراطورية المتصارعة، والأمور تتكرر في بلادنا بشكل أو آخر حدث شيء من هذا النوع تقريباً في الشرق من شبه الجزيرة العربية حكومة الهند كانت بتلعب دور في منتهي الأهمية في الأوضاع اللي في شبه الجزيرة العربية والمتاخمة للخليج والمتاخمة للهند والقريبة من المطامع والمصالح الإمبراطورية المتصارع عليها في هذه المنطقة، فيما بعد جاء دور الأسرة الهاشمية، واقع الأمر أنه لو بصينا علي خريطة العالم بنشوف الدور اللي اتعمل في الصراع في المنطقة.. الزحف الإمبراطوري من البحر الأبيض ومن المحيط الهندي طيب نركن دي..". ماذا أقول؟
أسألك يا هيكل سؤالا محدداً: ما معني وثائق أصلية؟ وهل هناك وثائق أصلية ووثائق غير أصلية؟ ثم اين هي؟ تتكلم باسم الوثائق الاصلية مدعيا استخدامك لها، فأين هي؟ ما عددها؟ ما طبيعتها؟ من يحترز عليها؟ لا تقول بأنك تجمع وثائق وأنك من هواة جمع الوثائق الأصلية.. هذا كلام لا نصدقه أبدا! فالوثائق الرسمية لا يمتلكها اشخاص لا رسميين ولا عاديين، انما هي تبقي محترزاً عليها في أرشيفات رسمية لدي دوائر أي دولة من الدول.
ما معني انك تفضّل الرجوع إلي الوثائق؟ هل كنت قد قرأت كتاباً واحداً عن تاريخ محمد علي باشا حتي تفضّل الرجوع إلي الوثائق؟ وإذا كنت تخدع بمثل هذا الناس، فهل ستنجح في خداعنا نحن؟
وتتكلم عن حكومة الهند ولعبها دوراً في أوضاع الجزيرة العربية ولا نعرف الوثائق التي اعتمدت عليها أبداً، لأنك لم تعتمد علي أي وثائق حقيقية، من المحتمل أنك قد سمعت ببعض الكتابات وببعض الرسائل وببعض الاوراق الشخصية.. لكي تسميها لنا وثائق وتخدع بها كل القراء والأجيال. لقد وضعت بعض الأفكار المسبّقة التي تريد ترويجها من خلال ادعائك أن ثمة وثائق خدمتك.. وحكومة الهند ما علاقتها بما حدث في أعماق الجزيرة العربية إبان نشوء الدولة السعودية الأولي؟ سننتظر منك اي توثيق رسمي تعلنه علي الملأ يقول بما تدعيه علي الآخرين زورا وبهتانا.. وسواء أنت (بصيت) أو لم (تبصّ) أو حتي (تبصبص)، فهذا ليس شغلك أو عملك.. إنه عمل المختصين والمؤرخين وما أكثرهم الذين لهم القدرة علي فحص الوثائق وقراءتها واستكشاف معلوماتها.
دعوني هنا أتوقف قليلاً عند ذاكرة مصر المتمثلة بوثائقها التاريخية التي دعوت في كتابي قبل عشر سنوات بأن تقوم الحكومة المصرية بالاستحواذ علي كل ممتلكاتها الرسمية وأوراقها التاريخية، خصوصا أنها تمتلك أرشيفاً ممثلاً بدائرة الوثائق القومية.. ثم أعدت ندائي من جديد عام 2008. كيف تم ذلك؟ وما تداعياته؟
الوثائق التاريخية: ذاكرة مصر
لقد قلت في حوار أجرته معي مجلة المجلة اللندنية العدد المؤرخ في 27 سبتمبر 2007، ما يلي مستنداً في ذلك علي ما كنت قد نشرته في كتابي "تفكيك هيكل" حول الوثائق التي يعلن هيكل أنه يمتلكها من دون أن يدري أنه بذلك يرتكب خطأ كبيراً، ذلك أن الوثائق مهما كان حجمها أو أهميتها فإن الدولة هي التي تحترز عليها لا الأفراد كما أوضحت ذلك في نقداتي المريرة له في تفكيك هيكل ويبدو أن الانسان يبقي ساذجا مهما بلغ من الشهرة إن لم يكن قد تعلم أسس التعامل مع الاوراق الرسمية.. قلت حول هيكل وأنا أجيب عن تساؤل الدكتور مهند مبيضين يقول: من المعروف عن الدكتور سيار الجميل تصديه للنقد التاريخي وإثارته للسجالات الفكرية، ومن ذلك كتابكم "تفكيك هيكل"، فلماذا كان اختياركم لهيكل وكيف كانت التجربة النقدية له، وما مدي الثقة برواياته؟
أجبت قائلا: "إنه يدّعي أن ما يكتبه يعتمد اعتمادا أساسياً علي الوثائق، وهذه كذبة خطيرة أخري، فمن خلال خبرتنا في وثائق التاريخ الحديث والمعاصر ومعاينتنا لما اعتمده من وثائق نقول إن الرجل كان قد احتفظ لنفسه بأوراق خطيرة من خلال اشتراكه مع بعض الوفود - وكان عليه أن يسلّمها إلي دار الوثائق المصرية، فليس من حق أي إنسان الاحتفاظ بوثائق سياسية- وهو يصورها ليقول أن عمله وثائقي، علما بأنه لا يشير إلي أي أرقام ولا أي احترازات وثائقية، فكتاباته غير موثّقة أبداً بالشكل العلمي، أو وجدناه مؤخرا علي شاشة التليفزيون في قناة الجزيرة الفضائية ونتيجة نقدنا له وتفكيكنا لأوصال كتاباته يمسك ببعض الوثائق التي حضرها له بعض موظفيه في مكتبه ليقول للناس هاكم عملي الوثائقي. إن من يعمل في مكتبه يستل بعض البحوث الوثائقية ويترجمها له ليقول بأنها معلومات عن وثائق! ولا أدري هل اللعبة منه أو ممن يخدعه!
خامسا: إنه تطفّل علي ميدان التاريخ الحديث والمعاصر، وهو صحفي لا يعرف آليات المناهج التاريخية ولم يقرأ فلسفة التاريخ. وبالرغم من تصريحاته بأنه صحفي لا بمؤرخ، ولكنه أقحم نفسه في ميدان هو بعيد عنه كل البعد، بل أطلق أحكاما لا تاريخية علي مراحل وعلي زعماء وعلي أوضاع لم يفهمها أبداً، كما أساء إلي مجتمعاتنا، فأساء إلي العراقيين والأردنيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة والأتراك والإيرانيين. وقبلهم كلهم أساء إلي المصريين أنفسهم من دون أي شعور بالذنب، ولم يكن ذلك بلائق أبداً. كان عليه قبل أن يتكلم في التاريخ الحديث لمصر أو للعرب أو للشرق الأوسط برمته أن يكون قد أكمل الشهادة الثانوية، فهو بلا أي شهادة ثانوية، وأيضا كان عليه أن يدرس التاريخ في واحد من أقسامه، ثم يكمل دراساته العليا كي يتأهل لكتابة التاريخ، وإلا فهو يعرض نفسه للتفكيك والتشريح.. إضافة إلي ذلك، فهو يتجاهل ذكر أي مؤرخ مصري أو عربي في كتاباته، ولن يمجّد إلا بعض الكتاب من الغربيين، فلديه عقدة خواجة قاتلة، والأكثر من ذلك أنه يجعلهم كلهم أصدقائه وقد اكل معهم الخبز والملح!!".
بعد مضي عدة أشهر، قرأت في مجلة "النهار" تقريراً كتبه حسام عبدالبصير بتاريخ 26 نوفمبر 2008 جاء فيه أن جدلاً مثيراً يجري في القاهرة بسبب اصرار الحكومة المصرية علي مصادرة الوثائق التي يمتلكها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل لضمها لدار الوثائق القومية. وتابع يقول إن بعض المصادر تشير إلي أن عدد تلك الوثائق يقدر بالآلاف وتؤرخ للعديد من المناسبات والأحداث المهمة سواء بالنسبة لمصر أو للمنطقة العربية. وقد قامت أخيراً إحدي اللجان التابعة لدار الوثائق القومية بمخاطبة مكتب هيكل من أجل محاولة معرفة عدد الوثائق التي بحوزته ودعته لسرعة ارسالها طواعية لدار الوثائق القومية. ورأي البعض أنها أمانة لابد من استردادها، ولكن لماذا بعد كل تلك الأعوام؟ لقد وجدت أن الحكومة المصرية قد استجابت لندائي حول احترازها رسمياً علي أي وثيقة تخصها، فهي ملك للأجيال، وليس ملكا لشخص معين يتصرّف بها علي هواه! إن قرار الحكومة المصرية لم يكن انتقامياً، فمن مهمة كل حكومة أن تكون مسئولة مسئولية كاملة عن أوراقها وأضابيرها ووثائقها، كما هو حال كل الدول، وإذا كان بعض المدافعين عن هيكل قد ذكر بأن هيكل قد نجح في الاحتفاظ بها طيلة حقب زمنية طويلة ولو كانت بيد الحكومة لضاعت جميعها حسب زعمه حيث كانت ستهرب للخارج وربما تم بيعها في المزادات في المملكة المتحدة أو فرنسا كما يحدث مع الآثار المصرية. وهذا تبرير غبي فالوثائق هي غير الآثار.. وأن مستقبلها سيكون مرتهناً بحياة صاحبها، فمتي ما رحل، تبعثرت وذهبت إذ إنها في عهدة شخصية وليس في عهدة رسمية.. ولا أدري لماذا تأخر صدور قانون للوثائق ليس في مصر فحسب، بل لم نجده حتي يومنا هذا في بلدان أخري!؟
وعليه، فإن قانون الوثائق الجديد بمصر لا يسمح للمواطنين باقتناء الوثائق ويجرم امتلاكها ويفرض غرامة مالية علي من يخفي أي وثيقة ويرفض تسليمها للسلطات. وكانت إحدي اللجان الخاصة قد بدأت في جرد الوثائق الخاصة بالتاريخ المصري المعاصر، وبالأخص إبان عهد الرئيس جمال عبدالناصر من أجل العمل علي معرفة ما ضاع منها وما هو لدي هيكل من أجل التحفظ عليه. وكان د.عبدالواحد النبوي، وهو امين لجنة مشروع قانون الوثائق الجديد قد أكد أن الجهات المسئولة اكتشفت ضياع جميع الوثائق الخاصة بالثورة بالإضافة لفترات مهمة من تاريخ مصر. وذكر الرجل أن مسئولين في لجنة مشروع "قانون الوثائق الجديد" قد بدأوا التفاوض فعلاً مع الكاتب محمد حسنين هيكل، من أجل إقناعه بإعادة تلك الوثائق". وتابع يخبرنا بأمر خطير جداً قائلا: "إن دار الوثائق القومية كشفت عن عدم وجود أي مستندات عن ثورة يوليو، كما تعرضت جميع الوثائق الخاصة بالانتخابات البرلمانية منذ بداية القرن العشرين للضياع. من جانب آخر قرأت ما أكده الاستاذ مجدي الدقاق رئيس تحرير كتاب الهلال، قائلا إنه من المهم للغاية مصادرة جميع الوثائق التي بحوزة الاشخاص مهما كان حجمهم ونفوذهم وذلك من أجل إعادة إعمار دار الوثائق القومية التي تعد بحق ذاكرة الأمة. ويذكر أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان يوجد في مكتبه ثمانية مجلدات كبيرة تضم وثائق مهمة عن التاريخ المصري؛ لكنها وفق بعض المصادر اختفت. وهنا أقول متسائلا: كيف اختفت؟ من أخفاها؟ من يمتلكها اليوم؟ واذا كانت موجودة في مكتب الرئيس عبدالناصر، فمن كان مسئولا عنها؟ انه يحق لرئيس أي دولة أن يطّلع علي وثائق الامة، ولكن لا يحق له أن يستحوذ عليها أو يحرقها أو يتلفها.. فكيف ذهبت تلك الوثائق؟ ومن استحوذ علي تلك المستندات التاريخية بطريقة غير مشروعة أبداً؟
إن "الوثائق" هي أغلي ما تمتلكه الامة.. وقد قرأت بعض الآراء التي تدافع عن بقائها في جعبة هيكل بدل أن يقذف بها في دواليب متهالكة كي تضيع ويصيبها التدمير.. هذا "البعض" يبدو أنه لا تهمه الوثائق بقدر ما يهمه هيكل.. والا كيف نفسّر هذه الدفاعات عن رجل يختصر ذاكرة مصر بشخصه؟ هل وجدنا مثل هذا لدي أي أمة؟ وهل وقف مسئول سابق في أي دولة من الدول، وقال إنني أستحوذ علي وثائق البلاد؟ إن مجرد ذكر ذلك يعد جناية كبري يحاكم عليها بموجب القانون. ولا أدري كيف يستهين البعض بالحكومة من أن تحترز علي أرشيف البلاد كاملا.. ونحن نعلم أن هناك في مصر دائرة رسمية للوثائق القومية كانت قد تأسست منذ زمن طويل.. واستخدمت وثائقها من قبل المؤرخين والباحثين في القرن العشرين. إن من الغريب تصريح أحد أساتذة القانون الدولي أن هيكل هو خير أمين علي تلك الوثائق وينبغي أن تظل بحوزته حتي لا تتعرض للسطو أو يتم تهريبها كما حدث مع العديد من الوثائق. والواجب في أي رجل أكاديمي أن يطالب الدولة برعاية الأرشيف الوطني والاحتراز علي الوثائق بدل أن تبقي ملكا لرجل واحد.. من دون أن يسأل سؤالا واحداً: بأي حق استحوذ محمد حسنين هيكل علي وثائق مصر؟ وبأي حق امتلاكه لها وحرمان الباحثين والمؤرخين منها؟ وهل كان الرجل حياديا وأمينا حتي نضمن ابقاءه لكل الوثائق ومضامينها؟ ولماذا يصبح هو الناطق الرسمي بها؟ ومن خوله قانونا بذلك؟
دعونا نعود من جديد لمناقشة بعض الأفكار.
إعادة وتكرار!
يستطرد هيكل ليقول: "ديعني علي أي حال لكن لما إحنا جيلنا تفتَّح علي المشهد العام اللي بعد الحرب اللي هي الفترة اللي بتكلم عليها الفترة اللي شوفتها الفترة اللي ممكن أقول إن أنا عشتها وهي الفترة ما بين نهاية الحرب الساخنة الحرب العالمية الثانية أو قرب نهايتها إلي نهاية الحرب الباردة وهي لا تزال مستمرة معانا باتكلم علي ثلاث أسر لعبت أدواراً مهمة جداً وباتكلم عنها بكل احترام لكن أيضا بنتكلم بكل واقعية ونحاول قدر ما يمكن ان إحنا نستند بالوثائق، كل واحد كل أسرة من هذه الأسر كل ملك من دول أنا لما جيت أحضر نفسي عشان أتكلم في هذا الحلقة لاحظت حاجة غريبة قوي لاحظت انه كل ملك وكل رئيس دولة من هؤلاء الناس السعوديين والمصريين والهاشميين كل واحد فيهم كان محصور داخل مربع تقريبا فهمَّا كانوا ثلاثة ملوك.. ثلاث أسر حاكمة داخل أربع جدران ".
مرة أخري، جئت لتضع نفسك في قلب الاحداث وكأنك الوحيد الذي شهد احداث القرن العشرين.. وكأنك الوحيد الذي يمكن أن يكون حجة علي المشهد العام! وكأنك تريد أن تصنع من نفسك شاهداً علي العصر بين نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة التي تعتقد انها لم تزل مستمرة، ولكنها انتهت وانقضت ليس مع انهيار الكتلة الاشتراكية كما يعرف الجميع، بل إنها خفتت مذ دخل العالم مرحلة الوفاق الدولي بالتوقيع بين قطبي المعسكرين الشرقي الشيوعي والغربي الرأسمالي علي معاهدة سالت الاولي.. ويبدو أنك بقيت هاجعا أو نائما ولم تصحُ حتي اليوم علي ما جري في العالم من متغيرات كبري، إذ لم تزل تتغني بذكريات تلك المرحلة التي ماتت ولم يبق منها شيء يذكر! فإذا كنت شاهداً علي مرحلة ما بعد الحرب الثانية، فما قيمة ذكر ذلك وأنت تعيد وتكرر الأسر الثلاث التي تقول إنها لعبت أدوارا مهمة جداً.. ولماذا كل هذا الخجل وأنت تعلن أنك تتكلم عنها بكل احترام، وكأنك مبيت شيئا ضدها! واين هي الواقعية التي ستتكلم بها عن تلك الأسر الثلاث؟ وأين هي الوثائق التي تعيد وتكرر عنها وأنت لم تذكر وثيقة واحدة فقط من الذي تزعمه؟
إنني أطالبك لو عرضت تلك "الوثائق" إن كنت قد اعتمدت فعلا علي وثائق رسمية.. وفجأة بين الإعادة والتكرار واللف والدوران تكتشف حاجة مهمة وانت تحضّر لما ستقوله.. تعلن عن مفاجأة ويبقي القارئ متتبعاً لك ليري ما الذي اكتشفته؟ يجدك وقد اكتشفت أن كل ملك أو رئيس دولة من هذه الأسر الثلاث محصوراً داخل مربّع تقريبا، وتختتم النص بقولك أن ثلاثة ملوك من هذه الاسر الثلاث منحصر بين اربعة جدران!! ولا يمكن أبداً لأي قارئ أو متتبّع أو حتي أي مختص وناقد أن يثمّن هذا الاكتشاف المهم الذي اكتشفه هيكل!! ولا ندري كيف استطاع هذا الذي عاش جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية أن يشهد ثلاثة ملوك من ثلاث أسر حاكمة بين أربعة جدران ممن كانوا قد حكموا أو نشأت وتطورت ممالكهم قبل الحرب العالمية الثانية! ألم يجد هيكل نفسه وهو يتخبّط ولا يدري ما الذي يقوله! ودعونا نري تلك الجدران الوهمية التي تخيلها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.