كيف يمكن لأمة أن تعبر عن معاناتها وأحزانها المشتركة ؟ كيف يمكن أن تنقل رموزها وأحداثها التاريخية من جيل إلي آخر؟ بعد الحرب العالمية الثانية اختارت فرنسا أن تجسد التاريخ عن طريق إقامة العديد من التماثيل والنصب التذكارية المبهرة في تنوعها واختلاف دلالتها. وفي كتابها الذي يحمل عنوان "ذاكرة الحجر"، تؤكد لنا الكاتبة ميتشريلد جيلزمر أن عملية بناء تمثال تذكاري أكبر من مجرد تمجيد لذكري الأجداد والشهداء ، حيث تدخلت دائما فيها حسابات أخري : فمن هم الموتي الأحق بتخليد ذكراهم هل هم الجنود أم رجال المقاومة أم الضحايا الفرنسيين أم اليهود..؟ وكيف سيكون شكل التمثال أو النصب التذكاري .. العديد والعديد من الأسئلة والمعايير الظاهر منها والخفي تحكمت في هذا العمل "الوطني". فمثلا تشرح الكاتبة كيف أن الجنرال شارل دو جول هو الذي بدأ في إقامة التماثيل والنصب التذكارية بهدف تمجيد صورة فرنسا المنتصرة لكنه في الوقت نفسه استغلها لفرض هالته السياسية علي الشيوعيين، ففي حين اهتم بإقامة التذكارات لشهداء الحرب العالمية الأولي والثانية، تجاهل بدهاء قتلي حكومة فيتشي-حكومة الاحتلال- والذين كان معظمهم من اليهود والشيوعيين . في حين اهتم الرئيس الفرنسي الحالي، نيكولا ساركوزي، منذ حملته الانتخابية بتمجيد ذكري الشاب جي موكيه، المناضل اليهودي الذي قتله النازي أثناء الاحتلال. وعلي مدي ستين عاما تطورت الأهداف من وراء هذه الأعمال الفنية التذكارية فبعد أن كان هدفها الأساسي هو لم شمل الأمة حول مشاعر واحدة من أجل "من ماتوا في سبيل فرنسا "، أصبح لها دور في تعزيز عمل المجتمع المدني ورفع الوعي بقيمة حقوق الانسان والحاجة إلي الدفاع عنها .ويحفل الكتاب بعشرات الصور التي تحمل القارئ في رحلة تاريخية في الذاكرة الفرنسية.