أمس السبت مر علي تنصيب قداسة البابا شنودة الثالث 38 عاما علي كرسي مارمرقس الرسول، وحيث إن قداسته يعد علامة فارقة في تاريخ بطاركة الإسكندرية الممتد علي مدار 2000 عام والذي شهد 117 بطريركا من مختلف الاتجاهات.. ولا ينكر منصف الدور الحيوي لقداسة البابا شنودة الذي حطم الحواجز النفسية للكنيسة القبطية.. تلك الحواجز التي كانت تعزلها عن المجتمع.. وقام بمد الكنيسة إلي قارات العالم ولكن هل حقق قداسته كل الآمال المرجوة والتي تعلق بها المفكرون.. الأقباط عند تنصيبه؟ لكي تتمكن عزيزي القارئ من الإجابة عن هذا السؤال الصعب.. ننشر لك اليوم مقالة المفكر الأستاذ سليمان نسيم والتي نشرها في رسالة المحبة فور انتخاب البابا شنودة بعنوان: آمالنا في غبطة البابا شنودة الثالث بين الفكر والتطبيق وإلي نص المقالة: كثيرة هي آمالنا في قداسة البابا الجديد، فبقدر سمو أبوته، وكمال غيرته، وعظم محبته، بقدر اشتعال الأمل، وتوهج جذوة الرجاء فينا ومما يزيد من هذا الرجاء ويضاعف من هذا الأمل علمنا الصادق بمبلغ اقتناعه بقيمة النفس. إن هذا الاقتناع وحده يكفي محركًا للعمل الدائب، ودافعًا لنشاط لا يعرف الكلل في سبيل البحث عن خلاص النفوس الثمينة التي افتداها الرب يسوع بدمه الكريم. وإذا كانت الحوافز النبيلة تكمن عادة وراء كل جهد إنساني رفيع فما أرفع الجهد المبذول للإتيان بالناس إلي حظيرة المسيح، فيرعاها الراعي الصالح بالبر والاستقامة، ويبذل نفسه عنها لكي يأتي بها إلي الملكوت. من هنا كان اطمئناننا إلي أن آمالنا وديعة بين يدي راع أمين يخاف الله، وينفذ وصاياه بضمير صالح، وقلب نقي. ومن هنا أنصبت أحاديث غبطته علي ثلاثة عناصر واضحة أغنتنا عن الكلام الكثير: العنصر الأول هو الاهتمام بالكلية الأكليريكية كمركز لإعداد الراعي، ولطالما تطلع جيلنا كله - منذ الأربعينيات - إلي تحقيق هذا الأمل، فكم وضعنا كلمة الراعي الصالح هو الهدف في كل موضوع كتبناه وكل دراسة قمنا بها. وفي رأيي أنه لكي نعد الراعي يجب أولاً أن نهتم بالمعلم الذي يعلمه. ومن هنا كان الاهتمام بأستاذ الاكليريكية هو نقطة البدء في إصلاحها. ولنا رجاء أن يتم هذا بسرعة. لنا رجاء أن يطبق بالكلية نظام الأقسام الجامعية، وأن يكون كل قسم هو المشرف والموجه لمواد تخصصه والقائم بالتخطيط لكل ما يتصل بهذه المواد من تطوير وإضافة فضلاً عن إعداد الأساتذة والمدرسين والمعيدين، كما تحول عليه شئون المنح والبعثات والمؤتمرات ليدرسها ويقدم فيها رأيه ليعرض بعد ذلك علي مجلس الكلية. وسيتبع هذا، كما تحتم طبيعة الأمور، تحقيق الاستقلال للكلية الأكليريكية فنيًا وماليًا وإداريًا، فما تعود خاضعة لمجلس تعليم أعلي، فهذا شأن المدارس الثانوية وما في مستواها، وإنما يصبح مجلس الأساتذة برئاسة الأب البطريرك أو من ينوب عنه هو المسئول عن إدارتها وتوجيه خطتها، وتوزيع ميزانيتها، ووضع مختلف النظم المرتبطة بها كنظام القبول، والامتحانات، والداخلية، فضلاً عن المناهج وخطة الدراسة، واختيار الأساتذة، وترقياتهم. وأحب هنا أن أذكر غبطة البابا الأنبا شنودة بأمل أعرف أنه جد مشوق لتحقيقه: ذلك هو توكيد الصلة بين الكلية وخريجيها، وإعادة الحياة إلي قسم المراسلات تمهيدًا لوضع الجزء الثاني من كتاب الاكليريكية بين الماضي والحاضر. ويتطلب هذا تعيين مسئول عن هذا العمل الكبير، ومنحه مختلف الإمكانيات التي تساعده علي تحقيق هذا الأمل الكبير. ويرتبط بهذا - في رأيي - تخصيص أسبوع سنوي نسميه أسبوع الاكليريكية، يكون من بين أهدافه اجتماع الاكليريكيين تحت لواء باباهم المعظم، ومعلمهم الجليل نيافة الأنبا اغريغوريوس، للاحتفاء بكل القيم السامية التي تتمثل في كليتهم العريقة، ومدارسة كل ما من شأنه أن يزيد من قوة الرابطة بينهم، ويعمق أصالة التعليم الذي يقومون علي خدمته، ولا شك أن هذا الأسبوع سيكون وسيلة لتعريف الناس بالاكليريكية، وتقديمها لهم في أبهي صورة مما يحفز العناصر الممتازة، لا سيما في الأقاليم، علي الانضمام في سلكها، والانخراط بين صفوفها. أما العنصر الثاني الذي تحدث فيه البابا فهو تحقيق اشتراكية الحب في كل كنيسة، ويتضمن هذا الأمل أن توضع خطة روحية، ومالية في الوقت نفسه، لرفع مستوي الأداء بالنسبة للعمل الرعوي، ولا يتأتي هذا بطبيعة الحال إلا إذا ارتفع مستوي الكاهن: تعليمياً وروحيا ومادياً وهذا تأكيد بحقيقة مسيحية مهمة هي إلغاء الفوارق الشاسعة بين الآباء، بينما خدمتهم واحدة، وظروفهم أيضاً تكاد تكون واحدة. وعندي أن هذا يتطلب أولاً مطالبة هؤلاء الآباء بكتابة تقارير مفصلة عن أحوال الخدمة بكنائسهم، والعمل نفسه تكلف به لجان الكنائس، بموجب استمارة تحدد بها العناصر المطلوب توضيحها وبيانها. ولا بأس أن يكلف أيضاً خدام التربية الكنسية بتقديم مثل هذا التقرير. ومن محصلة ما تسجله هذه الجهات الثلاث، بالإضافة إلي ما يعرفه الأب البطريرك شخصياً، يمكن تحديد مستوي عام كنقطة بداية وأعتقد أنه قد حان الوقت الذي توضع فيه المواصفات الروحية الدقيقة للخدام في كل كنيسة بحيث يكتمل فيهم وبهم النظام الرعوي الكنسي الذي يجب أن يشمل الآن: رئيس الشمامسة والدياكون، والابيديا كون، والاغنسطس: أما أعضاء اللجنة فهم الخدام الحقيقيون في المجالات التي يتطلبها العمل الرعوي: كالتعليم، والافتقاد، والاجتماعات الروحية، بالإضافة إلي النواحي الإدارية والمالية التي يجب أن تكون جزءاً من العمل الروحي وليس جزءاً منفصلاً عنه كما كان يخيل للبعض مما أحدث في العمل الرعوي انقساماً رهيباً. وشتت القوي الروحية بعضها عن بعض دون داع، وأننا لنرجو أن تتكاثف ونتساند هذه القوي من الآن بحيث توجه جهودها، متحدة مشتركة، إلي مواجهة تحديات العصر بواسطة العظة الملقاة من فوق المنبر، والمنشورات التعليمية التي توزع في المناسبات المختلفة، وعمل الافتقاد المنظم الذي يتسع فيشمل كل المؤمنين في بيوتهم ومدارسهم، وأن تحدد مناطق العمل الرعوي لكل كنيسة حتي لا تتداخل الخدمات: فينال البعض قدراً منها مضاعفاً، بينما يعاني البعض الآخر حرماناً تاماً منها. وقد يمكن أن نضيف هنا خدمة تدريس الدين، وصلة الكنيسة بالمدرسة والمدرسين القائمين علي هذا العمل المهم، لتدريبهم وتزويدهم بكل ما يعاونهم علي تحقيق الغايات الرئيسية من هذه الخدمة المجيدة، وبذلك يتعاون البيت مع المدرسة مع الكنيسة علي خدمة النفس المسيحية في كل مراحلها، من الطفولة إلي الشيخوخة. فإذا اتينا إلي العنصر الثالث الذي خصه قداسة البابا بالاهتمام وجدناه ضرورة وضوح رأي الشعب في اختيار راعيه، وهو المبدأ الذي كثيراً ما دعا غبطته إلي ضرورة العودة إليه واحترامه كتقليد مهم من تقاليدنا الكنسية ولا ينطبق هذا المبدأ علي اختيار الأب الأسقف فقط وإنما ينسحب أيضاً علي اختيار الأب الكاهن، بل والشمامسة أيضاً، مما يجعل الشعب مسئولاً مسئولية فعلية، ومباشرة عن رعاته وعن التعاون معهم تعاون الأبناء مع آبائهم للقيام بمسئولية خدمة الأم الكنيسة. وتبقي بعد ذلك بعض المسائل ذات الأهمية الخاصة: كمسألة الأحوال الشخصية وتنظيمها داخل الكنيسة ذاتها فلا يسمح لمطلق مثلاً بالزواج مرة أخري، وتقام علي الفور مجالس صلح كنسية تحال إليها القضايا التي من هذا النوع لعلاجها علي المستوي الروحي، وبذل كل الجهود الممكنة لحلها. وقد تكون النواحي المادية سبباً وراء أغلب هذه المشاكل مما يتحتم معه البحث الجاد لتنمية موارد الكنيسة المالية لمواجهة أعبائها من هذه النواحي. حفظاً للنفوس الثمينة داخل حظيرة الإيمان. أما التربية الكنسية فالحديث عنها يطول.. وكنا منذ نحو ثلاثة أعوام قد بدأنا عملية حصر للفروع، وعدد الخدام في كل منها. والاستمارات موجودة، وتصلح نقطة بدء للعمل المنظم الذي سيكتمل بإعادة اللجنة العامة للتربية الكنسية التي تضم مندوباً عن بعض فروع القاهرة كنواة قابلة للتطوير. ولقد أضحي وجود مقر لهذه اللجنة أمراً مهماً بل حيوياً ضماناً لانتظام الخدمة وخاصة أن التحديات تزيد مما يتطلب تجميع مختلف المواهب والقدرات. وإن قلوبنا معك يا غبطة البابا فلتتقدم بنا ومعنا إلي عرش النعمة لنبدأ العمل معاً.