لايزال الحديث ممتدًا حول التطرف والمتطرفين وليته يجد عقلاء أو آذانًا مصغية لخطورة ما أعرضه نظرًا للمعالجة الخاطئة لهذه الظاهرة، فما أعجب ما سمعته وقرأته حول مساجلات فكرية وإعلامية حول إحدي المسائل الفرعية الثانوية والتي لا تمثل خطورة واقعية مقارنة بما أستعرضه من أطروحات المتطرفين، فقد خرج علينا مسئول كبير مستأسدًا علي خطيب قال أن النقاب فضيلة ولم يقل واجبًا، فسحب منه المسئول ترخيص الخطابة وتم إيقافه، وهنا أراني أقول لمعالي المسئول فماذا أنت فاعل في خطيب المسجد والمعين كإمام أزهري أوقافي قال للناس إن سيد قطب عبقري الإسلام، فإذا كان سيد قطب كما وصفه الخطيب الأزهري المعين وتلك طامّة من خطيب رسمي وليس من القنوات الفضائية، ومن المتناقضات أن مجلس مدينة دمنهور أطلق اسم سيد قطب علي شارع كبير بمدينة دمنهور، فلماذا إذن تنكر الدولة علي الإخوان وعلي الجماعات المتطرفة؟! فإذا كان الخطيب المعين يعتنق فكر سيد قطب ومجلس مدينة دمنهور يطلق اسمه علي شارع كبير علي سبيل التكريم! فيكون هذا الطرح لمعالجة التطرف طرحًا ساذجًا لا يمت للمعالجة بصلة، كان الأولي حينما نناقش مسئولاً كبيرًا عن المساجد ودورها وعن الدعاة وأحوالهم أن نوجه سؤالاً استفساريًا هل فعلاً ستقوم وزارة الأوقاف بتوزيع كتاب فقه الجهاد للقرضاوي علي الأئمة والخطباء وتدريسه للناس؟ وقد احتوي الكتاب ملخصًا لمنهج الخوارج في التعامل مع ولاة الأمر، فهل يا تُري خطورة النقاب أشد من خطورة الكتاب المذكور؟! وأحب أن أكرر هنا بصوت عالٍ وبعبارات واضحة إن الطرح العلماني لمعالجة ومكافحة التطرف والإرهاب طرح فاشل واستفزازي وكذلك طرح الهيئات الرسمية للدعوة يؤديان إلي اتساع دائرة التطرف والإرهاب، أما الطرح الشرعي من خلال الشريعة وثوابت أصول الدين فهو سبيل العلاج الفعّال وإخماد هذه الظاهرة وبدون ذلك فإننا نحرث في الماء وتزداد الأمور تعقيدًا فهل من مدكّر؟ وسوف أدلل علي ما أقول كزيادة بيان للجذور الفكرية للتطرف والإرهاب من خلال ما يُطرح في بعض المساجد ومن خلال الكتب المطبوعة ومواقع الإنترنت وما خفي كان أعظم وذلك علي النحو التالي: 1 - يقول أحد المتزمتين المشهورين بالإسكندرية وهو طبيب بشري يُدعي ياسر برهامي في كتابه فقه الخلاف ص 76 حينما ذكر أمثلة لخلاف التضاد غير السائغ عنده ومنها وصف أعداء الله المنافقين الذين يصدون عن سبيل الله بكل الطرق علي أنهم ولاة أمور شرعيين تلزم طاعتهم وعدم مخالفتهم ويقول كذلك في نفس المصدر ص 74 وينبغي أن يدخل في هذا النوع من الخلاف غير السائغ الخلاف في حكم من يلزم الناس بقانون مخالف لشريعة الإسلام في التشريع العام ويحتمه عليهم فلا شك أن هذا الأمر من الكفر الأكبر أ.ه وهذا البرهامي شهير في الإسكندرية وله أتباع من الإسكندرية شمالاً إلي وادي النطرون جنوبًا وإلي السلوم غربًا ويتبعون ما يطلقون عليها المدرسة السلفية بالإسكندرية ولهم تنظيم ومسئولون وتجمعات في مساجد أهلية وأوقاف ونراهم عيانًا يحزّبون الناس ويثيرون في نفوسهم الشبهات حول ولاة الأمر، فكما ذكرت عن أحد شيوخهم أنه يُكَفِّر النظام في مصر بصريح لازم كلامه السابق كما سمعت له بصوته وصورته أنه يقول إن مصر دولة غير إسلامية وهذا الكلام الذي أقوله من المعلوم ضرورة عند غالب الجماعات الحزبية وقلَّما تجد منهم من يعتقد بإسلامية الدولة فضلاً عن إثبات ولاية وإمامة لحاكم البلاد، كما قرر البرهامي هذا في أحد كتبه أن الحاكمية من أركان التوحيد وهذا المعني له لوازم وله رؤي ومفاهيم عند من يسمعون هذا الكلام، وبما أن الحاكمية علي حدّ زعمهم غير موجودة في مصر فيلزم بداهة أن يُنقض التوحيد لفقد أحد أركانه حتي نصل في النهاية إلي ما يدندنون حوله من تكفير النظام وبالتالي استباحة دماء أصحابه ولكن ليس الآن وإنما بعد حين فأين الردود الشرعية من الهيئات الرسمية الدعوية المتمثلة في الأزهر وجامعته ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء. 2 - ونموذج آخر للدلالة علي نفس المنهاج حيث كتب أحد مشاهير الإسكندرية واسمه محمد إسماعيل المقدم وهو قرين لياسر البرهامي المذكور فوصف السادات في كتابه عودة الحجاب القسم الأول ص 226 بما يلي: صديق إسرائيل - خادم أمريكا - حليف الشيطان - فرعون حقير يرقد الآن في مزبلة التاريخ - لقد كان مصرًا علي أن يدخل في التاريخ وقد دخله ولكن من نفس الباب الذي دخل منه إبليس وفرعون وقارون أ.ه ومن العجيب أن الكتاب المذكور لمحمد إسماعيل المقدم والذي ذكر فيه السادات بما ذكرتُ قيل أن الكتاب قد منع نشره وتوزيعه مؤخرًا، والعجب أن المنع من أجل النقاب وليس من أجل ما ذكرته رغم خطورته، إذ كيف يتربي شباب باسم الدين علي أن أحد رموز بلادهم والذي يسر الله علي يديه تجهيز الجيش المصري وتحقيق نصر كبير علي يهود اعترف به العالم كله إلا بعض المرجفين الذين يُزيفون الواقع والحقائق وكيف لا؟ وقد انحرفوا عن المفاهيم الدينية الصحيحة، كما أن لهجة التكفير واضحة حيث شبه الرئيس الراحل محمد أنور السادات بفرعون وهامان وإبليس، فإذا لم يكن هذا تطرفًا وغلوًا وتكفيرًا وإرهابًا فماذا يكون؟ فيا عقلاء مصر ويا معالي المسئول أيهما أشد علي الشباب المغرر به من قبل المتطرفين ما أقوله أم ما تناقشونه؟ 3 - وتقول المدرسة السلفية المزعومة بالإسكندرية في أحد إصداراتها في مجلة صوت الدعوة العدد الرابع 1412 ه: فالجماعات الإسلامية المعاصرة ينبغي أن يُعلم أنها مرحلة متوسطة تهدف إلي إقامة جماعة المسلمين عن طريق القيام بما تقدر عليه من فروض الكفاية من الدعوة والحسبة والتعليم والإفتاء ونظام المال من جمع زكاة وتفريقها ورعاية اليتامي والمساكين وإقامة الجُمَع والأعياد والجهاد في سبيل الله كما في أفغانستان. أتدري يا معالي المسئول ويا من تزعمون مكافحتهم للتطرف والإرهاب ماذا يعني الكلام السابق؟! إنه ببساطة شديدة يُسقط الولاية الواجبة في أعناق الشعب المصري تجاه الدولة وقيادتها حيث إن الجماعات الإسلامية بصفة عامة وعلي وجه الخصوص المدرسة السلفية المزعومة بالإسكندرية ما هي إلا مرحلة ثم يأتي بعدها مراحل أخري لإقامة جماعة المسلمين أي دولة الإسلام بدليل أنهم أسندوا لأنفسهم القيام ببعض المهام التي هي منوطة بولاة الأمر كجمع الزكاة وإقامة الجُمَع والأعياد وإعلان القتال، إن المعركة الأساسية لمكافحة التطرف والمتطرفين تكون بمواجهة أطروحاتهم الفقهية والتي تؤدي في النهاية إلي حمل السلاح فانتبهوا يا أولي الألباب، لذا أكرر ما سبق وكتبته - ولا حياة لمن أنادي - من ضرورة كتابة أبحاث بواسطة الهيئات الدعوية الرسمية وغير الرسمية والتي تدعي أنها تمثل الوسطية تفند وترد علي الأطروحات الفقهية المنحرفة والتي تُروَّج من قبل جماعات محظورة أو جماعات معلنة وربما هيئات رسمية والتي تتلخص في قضية محسومة وهي علاقة المسلم والمجتمع بولاة الأمر، العادل منهم والظالم، الصالح والطالح، كما أولي بالوزارة التي طبعت كتاب النقاب أن تطبع كتابًا في التوحيد والتحذير من ذرائع الشرك ووسائله والتي تشاهد وتُري وتُسمع وتُقرأ حول الأضرحة والقبور، كما ينبغي عليها أن تطبع أبحاثًا توزع مجانًا في الرد علي دستور الجماعات الإرهابية وهو كتاب معالم في الطريق لسيد قطب، حينئذ نكون علي جادة محاربة التطرف والمتطرفين.