لست من بين مؤيدي القول بأن عدم خوض الحزب الوطني في أحاديث الترشيح لانتخابات الرئاسة المقبلة عائد إلي أن هذا (منعدم اللياقة) و(يخلو من اللباقة) و(يتسم بنوع من قلة الذوق).. علي أساس أن هناك رئيسًا يحكم.. ويدير شئون البلد.. كما قد كرر عدد من قيادات الحزب في الأيام الأخيرة.. وبينهم من نقلت عنه هذا في «روزاليوسف».. جريدة ومجلة. ذلك أن المناخ السياسي لم يعد يعترف بمثل هذه الأخلاقيات وتلك القيم.. وإذا كنا نؤمن بها.. فإن في الساحة فيالق من الشاتمين.. وكتائب ممن يخلو قاموسهم من أي لياقة.. سواء كانت سياسية أو أخلاقية.. وبالتالي فإن كلامًا من هذا النوع قد يفهمه كوادر الحزب ومؤيدو الرئيس.. وهم أغلبية هذا المجتمع الكاسحة.. لكن مفجري أحاديث الترشيح من فئة أخري لا أعتقد أنها تستوعب لُب هذا المنطق وقيمه وقيمته. كما أن القول بأن الوقت لم يزل طويلا حتي يحين (الموعد السياسي).. ومن بعده (الموعد الدستوري) لإعلان اسم المرشح.. هو كلام لا تحتمل معناه تلك القوي والتيارات التي تتلهف لأن يعلن الحزب الوطني اسم مرشحه أيا من كان.. ببساطة شديدة لأنها تريد أن تطيل أمد الحملة المضادة التي يمكن أن تشنها عليه فور إعلان اسمه.. وهي لا تقول هذا بالطبع.. لكنها مسألة مفهومة.. ومن ثم فإن هؤلاء يزعمون أن الحزب صاحب الأغلبية يماطل في إعلان اسم مرشحه.. وحاولوا إقناع الناس بأنه كان علي الحزب أن يعلن اسم مرشحه خلال مؤتمره الأخير. ولست أدري ما الذي يمنع تلك القوي من أن تقوم هي بإعلان اسم المرشح الذي سوف تسانده.. وأن تخوض من أجله (حملة بناءة).. لدعمه وإقامة جماهيريته.. إذا كان هدفها الحقيقي هو أن تستعد بمرشح ما في مواجهة أي مرشح للحزب الوطني.. وإذا ما افترضنا أصلا أنها يمكن أن تجتمع خلف اسم مرشح بعينه.. مع الإقرار بأن من حق كل شخص في مصر تنطبق عليه الشروط الدستورية أن يتقدم للترشيح للرئاسة. إن الصراع هنا بين منطقين.. بين منطق (الحملة البناءة) التي تسعي لأن تقدم مرشحا بديلا.. ومنافسا لمرشح الوطني أيا من كان.. وبين منطق (الحملة الهدامة) التي تريد أن تعرف اسم مرشح الوطني لكي تبدأ في عملية تشويه واسعة النطاق له.. تتخطي حدود المدة الدستورية للعملية الانتخابية وفق ما يقرره القانون.. وتظل ممتدة حتي موعد الانتخابات الرئاسية. وأيا من كان مرشح الحزب الوطني فإن مواقفه سوف تكون معروفة.. ومبادئه واضحة.. وخطته- بغض النظر عما سيعلنه في الانتخابات- يمكن إدراك أبعادها.. وبالتالي فإن المعارضة التي تريد أن ترشح منافسا يمكنها أن تطرح مناقضا للفكر وليس للشخص.. للمبادئ وليس الفرد.. علي أساس أن مرشح الوطني سوف يكون مرشحًا عن مؤسسة معلنة الأفكار والبرامج. ولكن خلاصة القول في هذا الإطار، هي أن المعارضين المتلهفين لإعلان اسم المرشح من جانب حزب الأغلبية ليس لديهم مرشح منافس حقيقي.. بغض النظر عن الأسماء المتناثرة هنا وهناك.. فلدي كل منها نقيصة أو أكثر تجعله يخرج من الساحة فور أن يدخلها. وحسنا فعل الحزب الوطني حين أبدي ترفعا أصيلا عن أن يخوض غمار الجدل حول أي من تلك الأسماء.. فلم يبتلع الطعم.. ولم يعلق كصيد سهل في سنارة الالتقاط.. ليس فقط لأن المبدأ الأساسي هو أن من حق أي أحد أن يترشح أو يعلن تمنيه الترشيح.. ولكن لأن تلك ليست هي أولويات الحزب.. وهو ما يقودنا إلي السبب الأهم الذي يمنع الوطني من أن يخوض غمار ذلك الجدل.. ولا أقول يمنعه من أن يعلن اسم مرشحه. ذلك أن الأولوية السياسية أمام الحزب ليست هي الانتخابات الرئاسية.. وإنما هي الانتخابات البرلمانية.. (الشوري) في الصيف القادم.. و(الشعب) في الشتاء الذي يليه.. وأي انغماس في العبث المبعثر حول انتخابات الرئاسة من بين المعارضين الآن إنما سيكون إهدارًا للأولوية الأهم.. وقبولاً بإبعاد الأنظار عن السعي نحو الحصول علي الأغلبية في المجلسين.. وإفقادا للتركيز السياسي الواجب أن يتكثف تجاه الانتخابات البرلمانية. لقد سقطت صحف أجنبية كثيرة في فخ الحديث عن انتخابات الرئاسة.. وبعضها خلط بين ما يصدر عن المعارضة وبين ما يصدر عن المناخ السياسي بكل تنوعاته.. وقالت في تغطياتها لمؤتمر الحزب الوطني إنه تجنب إعلان اسم مرشحه للانتخابات الرئاسية. والواقع يقول إن المؤتمر المنتهي توًا لم يكن هذا دوره ولم تكن تلك مهمته.. وليس هذا موضوعه.. بل إن هذا قد لا يكون موضوع المؤتمر السنوي القادم للحزب.. إذ سيكون بينه- أي المؤتمر المقبل- وبين الانتخابات الرئاسية ما لا يقل عن سبعة أشهر.. وإذا ما افترضنا جدلا أنه سيكون علي الحزب صاحب الأغلبية أن يعقد مؤتمره التالي قبيل انتخابات مجلس الشعب.. فإن موضوع الانتخابات الرئاسية لن يكون له محل من الإعراب حتي لحظتها.. وفي كل الأحوال فإن المرشح للانتخابات الرئاسية يتم إقراره في (مؤتمر عام- خاص) وفقا للائحة الحزب. وكما أن هناك صراعًا بين منطقين.. منطق الحملة السياسية الهدامة ضد مرشح بعينه من الحزب الوطني.. ومنطق الحملة البناءة التي تخلق شعبية لأي منافس لأي مرشح للوطني.. فإن الصراع من جانب آخر هو بين أجندتين.. بين أجندة تري الانجرار إلي مجريات انتخابات الرئاسة.. وأجندة تعطي الأولوية للاستحقاقات التي تفرضها الانتخابات البرلمانية. شخصيا، لو كان لي أن أنصح المعارضة، فإنني أقترح عليها أن تنشغل بانتخابات الشتاء والصيف.. لأن علي أساس نتائجها سوف يمكنها أن تقدم مرشحا أو أكثر وفقا للشروط الدستورية في المادة 76 من الدستور.. هذا إذا كانت تريد حقا أن تقدم مرشحا منافسا.. وليس أن تلوك لغوًا لا قيمة له.. لا يجني أصواتا.. ولا يحرز حتي تمثيلاً مشرفًا. [email protected] www.abkamal.net