"إنه حقا لجنون"، هكذا علّق الرسام الأمريكي روبرت دينيس كرومب - 66 عاما - في حوار بال"نيويوركر" يونيو الماضي، علي احتمالية تعرّض كتابه، الذي يصوّر الإنجيل بطريقة الكوميكس فور صدوره، للهجوم وإساءة الفهم من قبل المسيحيين واليهود "الأصوليين" كما يسميهم، نظرا لأنه يصوّر الله تعالي في صورة بشرية مبتذلة. وأكد كرومب الذي يعيش مع زوجته وابنته في قرية صغيرة جنوبفرنسا، في نفس الحوار أنه في تناوله بالصور تحديدا للعهد القديم أو "سفر التكوين" وهو الكتاب الأول من الإنجيل، يسخر من تعلّق البعض بقصص الوعظ الديني، واستخدام الأساطير القديمة كدليل روحي ومصدر للقيم الأخلاقية الوعظية، وصرّح قبل صدور الكتاب بخمسة أشهر في عشر دول، أنه سيشكل "استفزازًا" وخلافًا، وسيهز الإعلام والجماعات الدينية حول العالم، وقال: "درست الحضارات القديمة جيدا، ونشأت في ظل إيماننا بخرافات دينية - يهودية ومسيحية وحتي إسلامية - تشكّل جزءا قويا من حضاراتنا، وكل ما فعلته أنني حاولت إدراك ما وراءها". تفرّغ كرومب مدة أربع سنوات لإنجاز هذا المشروع الضخم والعملاق كما يراه، حيث يصوّر بطريقة "الكوميكس" أو القصة المصوّرة النصوص الكاملة - 50 فصلا - للسفر الأوّل من الإنجيل، بداية من بدء الخلق وحتي موت يوسف عليه السلام، يتضح ذلك من مفاخرته في إشارة علي غلاف الكتاب بأنه "للمرة الأولي رسومات كاملة بدون استبعاد أي شيء"، وقد اعتمد كرومب في مصادر نصه، علي ترجمة روبرت ألتر الإنجليزية المتقنة لسفر التكوين، التي نشرت لأول مرة عام 1996 . يظهر إله كرومب في الكتاب المصوّر في صورة إنسية بشرية مبتذلة لرجل عجوز عملاق بلحية بيضاء، مُشعِر، متجهِّم، عبوس دائما، يرتدي عباءة بيضاء طويلة، ويمسك بالكون أو السماء بيديه كأنها كرة سلة، وغيرها من صفات تعف النفس عن ذكرها، وفي وقت مبكر أثناء إعداده للكتاب، سئل كرومب من قبل محرر التايم روبرت هيوز، ما إذا كان قد رسم الله جلّ وعلي في صورة تشبه شخصية "مستر طبيعي" Mr. Natural التي ابتكرها في الستينيات، وهي شخصية كارتونية محورية في كل أعمال روبرت، تسخر طوال الوقت من الروحانيات، وتظهر هي الأخري بلحية بيضاء، لكن كرومب فاجأ المحرر بأنه يشبه إلي حد كبير والده، حيث يصوّر الرب "الخالق" كما يري والده "تشارلز كرومب" ضابط في سلاح مشاة البحرية، مما حكم عليه وعلي أسرته العيش في جو من الإرهاب والجمود، ولهذا تمتليء رسومات وتعبيرات كرومب بالعديد من مفاهيمه عن الأبوة والذكورة بصفة خاصة، والسلطة الأبوية في العالم المسيحي واليهودي بصفة عامة. في مقدمة الكتاب يقول روبرت، الذي يستعد مطلع الشهر القادم لجولة دعائية للكتاب في كل من فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية تنتهي بمحاضرة في جامعة تكساس بأوستن، أن البذرة الأولي للفكرة، كانت قصة ساخرة حول آدم وحوّاء، وبعد إمعانه النظر والقراءة والبحث، توّصل إلي أن القصة الحقيقية كما أنزلت، تحمل من الإثارة والدهشة والغرابة بما فيه الكفاية، بما لا يجعل هناك داعيا أو مجالاً للسخرية. من ناحية أخري، وفي مقالة طويلة ومفصّلة نشرت الأحد الماضي بملحق عروض الكتب من ال"النيويورك تايمز"، يشير المحرر إلي أن روبرت كرومب يقاوم في رسوماته الخطيرة إغراء مبالغة النص الإنجيلي وأكثر جوانبه غرائبية، وأن صورة "الإله - الرجل" تلك، في عظمته المنهكة، تعيد إلي الأذهان عملين لاثنين من الفنانين لهما علاقة بسفر التكوين وبكرومب تحديدا، الأول سكيتش ذاتي لليوناردو، والثاني الرسوم التوضيحية المبكرة للقديس نيقولاس، الإله المتجسد في رجل في العصر الحديث، كما أعدّها رسّام القرن التاسع عشر توماس ناست، الذي يتضح تأثره الشديد بكرومب، من حيث الوقاحة الشديدة ونمط الأعمال الخارقة. تذهب المصادر إلي أنه في الأربعينيات من القرن الماضي، وبشكل عام ظهرت فكرة الإنجيل المصوّر لتبسيط وتوضيح النص للأطفال، وقد أحرقت الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تعارض مثل تلك الرسوم، عددا من الأناجيل المصوّرة في بعض المدارس الصغيرة، لكن كتاب كرومب في الواقع، وكما هو موضّح علي الغلاف أيضا، مقدّم في المقام الأول للبالغين وللبالغين فقط، كما صرّح من قبل أنه يخشي علي كتابه أن يقتنيه البعض لأطفالهم ويتصوّروه مبسّطًا لمجرد أنه إنجيل مصوّر! ينتقد محرّر ال"نيويورك تايمز" كتاب كرومب، لأنه كما يقول يعطي صورا خيالية لأشياء محرّمة في الدين، تابوهات أو محظورات دينية، وأساطير متعلقة بسفر التكوين دون سابق اعتذار، ويؤكد أنه عندما سمع عن كتاب كرومب تذكر علي الفور نورمان ميلر في "الإنجيل طبقا للابن" وهو عبارة عن مذكرات متخيلة وهمية ليسوع، ويصل إلي نتيجة أن كتاب روبرت كرومب خطير، وأن "الصدمة" هي الحقيقة الوحيدة التي يحملها بين أكثر من 200 صفحة، بما في ذلك "الشهوانية" التي تبدو واضحة وعالية اللهجة في تناول روبرت للعهد القديم، بلا أي مبرر منطقي أو تفسير ولو هزلي، فهو يصور مثلا آدم وحواء عرايا في حفلة سمر، كما يصوّر ابنتي لوط وهما تمارسان الجنس مع آدم، وغيرها من الصور المروّعة غير المبررة، وفي النهاية يري أن كتاب كرومب فقد شيئا قد لا يكون مهما كثيرا بالنسبة لرسام مثله، وهو شعور القداسة أو التقديس: "لقد أظهر لنا ببراعة سمة الرجل في الله، لكنه لم يستطع أن يظهر سمة الله في الرجل".