إذا كنت تنوي أن تعمل في ميدان يشترط معرفتك بلغات الأغراب، أو كنت ستسافر إلي إحدي البلاد البعيدة، فيمكنك أن تذهب إلي سور السيدة زينب، وتشتري كتاب: كيف تتعلم الإنجليزية أو الفرنسية أو الكندية دون معلم، وتأكد أنك لن تستفيد منه شيئاً، لكنه فقط سيمنحك تلك القوة المعجونة بالثقة والوقاحة، قد يرفضك العمل، قد لا تسافر، لكنك ستظل قويا ووقحاً، وإذا كنت تعيساً جداً، تعجز عن أن تقول لزوجتك في الصباح: صباح الخير، ولا تضحك إذا جلست أمام القناة الثقافية وشاهدت شاعرًا حديثًا يتكلم عن حياته الفائقة التي يعيشها كعاشق معذب، وتمشي في الشوارع وتقف أمام المحلات دون أن تنظر إلي أثداء النساء المارات وسيقانهن، وترتفع بنظرتك قليلا لتتأمل العجيزة، فعليك بكتاب مضمون الأثر، وهو كيف تصبح سعيدًا، المؤلف أمريكي، ولا تفكر في أن كل من سبقوك وجربوه قبلك، صاروا أكثر تعاسة، لأن الوصول بالتعاسة إلي آخرها يجعلك علي حافة السعادة، وقديمًا قال أبو نواس: وداوني بالتي كانت هي الداء، وإذا كنت شابًا وفقيرًا ومهووسًا بالثروة، فكتاب كيف تصبح مليونيرًا، وهو أيضا ليس كتابًا محليا، إنه مستورد، سوف يجعل شهواتك في الثروة أكثر اشتعالا وتأججًا، صحيح أن معظم المليونيرات، أصبحوا كذلك بالفطرة والسليقة، ولكنك ستحاول، لن تصل أبدًا، إلا أن الكتاب سيحفظ لك أحلامك، ولن يسمح لها بأن تموت، وإذا جاءك نبأ بأن فلانًا رئيس تحرير كذا، وفلانًا الشاعر المناضل، وفلانًا زعيم حركة كذا الخ الخ، هم من زاوية أخري نفعيون وانتهازيون، نجحوا في إظهار بعض المحاسن غير الأصيلة فيهم، وفي إخفاء المساوئ الأصيلة فيهم، يمكن أن تستعين علي ذلك النبأ بقراءة مسرحية الكاتب السوري وليد إخلاصي، كيف تتسلق ولا تسقط، وهي مسرحية تضمن أن تظهر في عيون الآخرين، كمناضل وأنت لست كذلك، وكشريف، وأنت لست كذلك، وكحامل جوائز حصلت عليها بإخلاصك مع العلم أنك في الحقيقة تحصل عليها بطرق أخري، وإذا لم تكن تنتسب إلي سلالة تتيح لك أن تذكر أسماء أجدادك حتي الجد العاشر مثلا، وأصبحت فجأة من رجال الدولة المسئولين، وأصبحت فجأة مطالبًا بأن تكتب سيرتك التي ستعلم فيها الآخرين كيف يصبحون مثلك، كما أصبحت أنت مثل فلان وفلان، فتذكّر أولا أنه في الأزمنة الملكية فقط، وباستثناء مؤسس الدولة العلوية محمد علي باشا، كنا نعرف أم الملك وأباه وجده، وبالطبع أبناءه وأحفاده وأصهاره، وكان البرنسات والبرنسيسات هم أبطال الوشايات والدسائس والنميمة، قبل أن تظهر فئات أخري وتصبح جديرة بذلك كالفنانين والكتاب والرياضيين والإعلاميين الخ الخ، وتذكّر أنه منذ محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ونحن لا نعرف أمهات الرؤساء وآباءهم، وفي حالة نجيب لا نعرف زوجته تقريبًا، وفي حالة ناصر تظهر السيدة تحية كاظم علي استحياء، وفي حالة السادات تقود الجميلة جيهان ثورة في سبيل إعلاء وجود المرأة، وسوف تستمر هذه الثورة في النمو والاضطراد، وزيادة تحقيق المنافع والمكتسبات إلي ما بعد حكم السادات، لتصل إلي ذري لم نكن نتخيلها، حتي كدنا نتخيل أن المرأة هي ابنة الإله، وأن الرجال هم خدم المعبد، بعد أن تتذكر كل ما سبق، يمكنك أن تقرأ كتاباً كيف تصنع سلالة، وهو للأسف كتاب محلي، صنعه شخص استشعر في نفسه وضاعة الأصل، فحاول أن يقهر شعوره وينتصر عليه، ولما قرأه المسئول الكبير، شرع في كتابة سيرته، وتبين له بالصدفة أن جده الأكبر كان أميرًا تركيا، وقائدًا لجيوش العثمانيين، وفي حرب المورة، أسره أعداؤه، وذهبوا به إلي مصر، وأودعوه زنزانة في صحراء، وبمساعدة أحد الحراس، استطاع أن يهرب إلي إحدي قري الدلتا، وهناك تزوج من فلاحة أمية بسيطة، وعاشا معًا حياة الفقر والخفاء، وتبين له بالصدفة أيضا أن أباه كان يميل إلي الأعمال التجارية، وأنه كتركي أصيل يؤمن بالأولياء، سمي أكبر أبنائه باسم أحد أولياء الإسكندرية، لعله سيدي بشر، أو المرسي، أو سيدي جابر، نعم سيدي بشر، وسمّي ابنه الثاني باسم السيد، نسبة إلي السيد البدوي، لا تعجب لهذا التركي، ولا تعجب للمسئول الذي تفاجأ بشاب يناجزه وينابذه ويقول له: يا أستاذنا، الثقافة العضوية تحرّر صاحبها من عقد النقص، وإلا فهي ثقافة قشور، يا أستاذنا اقرأ جرامشي، فقام الرجل الكبير من مكانه، واتجه إلي رف في مكتبته وسحب كتابا، أهداه للشاب، وقال له: دعك من جرامشي وتروتسكي وطه حسين، هي أسماء للزينة، اقرأ هذا، واعلم أنني أحبك، كان غلاف الكتاب مكتوبًا عليه: كيف تصنع سلالة، أما إذا كنت إنسانًا صاحب صيت في مجال ما، ولو بقدر محدود، ولو في شارع ضيق أو ممر، ثم ابتعدت عن مجالك، بالسفر مثلا، أو لضمور موهبتك، واكتشفت أن إحدي الفواطم التافهات قد أصبحت هي الأكثر رواجا منك، ومن غيرك، فإما أنك ستعتصم بالترفع، لأن الرواج ليس القيمة، وإما أنك ستعاود العمل، دون الاعتبار بالآخرين، وإما أنك ستغار، وعندئذ ستفكر في تفجير ضجة تعيدك إلي الوجود، أنصحك قبل أن تقرأ كتاب: كيف تصنع ضجة، أن تقرأ مسرحية دورينمات زيارة السيدة العجوز، ففيها ستري تلك المرأة التي لا تحب أهلها ومجايليها والسابقين عليها والتالين لها، ستري كيف تنتقم منهم جميعا، ربما ترغب مثلها في الانتقام، وبعد المسرحية، اقرأ كتابك، واحذر أن تتصور أن صناعة الضجة واحدة في كل مكان، ففي أمريكا يمكن أن تصنعها بادعاء النبوة، وفي السودان يمكن أن تصنعها بتقليد مايكل جاكسون، وفي ليبيا بأن تشتري طائرة هليوكبتر تنصبها إلي جوار بيتك مثل خيمة وتقيم فيها، اعلم أن كل هذا لا يصلح في مصر، واعلم أنه لم يعد يصلح في مصر أن تتباهي بالحرية الجنسية، لأن الجميع يتباهي بها، كما أن ما يصلح في مصر لن يصلح في المغرب وتونس والجزائر، ولا في فلسطين نفسها، وهو أن تزعم أنك تريد أن تحب ديفيد وأن تصادق جولدا، وأنه تربطك بإسرائيل علاقة عمل، أو زيارة، أو ترجمة، أو حلم، عندئذ ستتمكن من صناعة ضجة، لا تخجل إذا قالوا لك إنها ضجة فارغة، لأن شكسبير صنع مسرحية أسماها ضجة فارغة، سينقسم الناس حولك، بين مؤيدين قلة، ومناهضين كثرة، لابد أن تفرح، لأن المناهضين هم الأنفع لك، وبعد أن تحقق أغراضك من الضجة، يمكنك أن تقيم حفل عشاء في سفينة، أو في كازينو علي شاطئ نهر، وتعتذر عما فعلت، واعلم أن الضجة ستعلن في الداخل، أي في بلدك، عن عودة الغائب، وستعلن في الخارج أي بلاد الفرنجة عن استعدادك لإنشاء روابط مع الجهات المعنية بذلك الأمر، فتنفتح أمامك سماء الأسفار والجوائز، ولا تفكر فيما فعله العراقي نجم والي، عندما زار إسرائيل وسب فيروز والعرب وأشكالهم ولغتهم، لأنه في روايته تل اللحم حوّل الشاعر حسب الشيخ جعفر من شاعر إلي مخبر صغير، نجم والي مجرد نمام، اغسل رأسك منه، ولا تفكر في علي سالم، لأنه كان صادقا فيما فعل حتي أنه تجاوز في صدقه، وأنت لا تبحث عن الصدق، أنت تبحث عن الضجة، فكر في نفسك فقط، وإذا شئت التوسع فكر في كتاب وليد إخلاصي: كيف تتسلق دون أن تسقط، وفي مسرحية دورينمات زيارة السيدة العجوز.