بعد عودتها من أديس أبابا أعلنت الوزيرة صاحبة الحس الوطني المرهف فايزة أبوالنجا أن زيارتها التي وصفتها بالصعبة نجحت في إزالة الكثير من العقبات التي كانت تعوق استيراد اللحوم الإثيوبية للسوق المصرية منذ فتح باب الاستيراد عام 2004 والتي كان أكبرها تدخل أصحاب المصالح من المستوردين من دول أمريكا اللاتينية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو من وما الذي يضمن عدم تدخل أصحاب المصالح مرة أخري ومجدداً لإعاقة استيراد اللحوم الإثيوبية للسوق المصرية؟ في عام 2004 كان تدخلهم سافراً واتخذ شكل الهجوم السافر علي الوزيرة فايزة أبوالنجا التي سعت لفتح باب استيراد اللحوم من كل من إثيوبيا والسودان في إطار قناعتها بضرورة ربط مصر بدول حوض نهر النيل بشبكة واسعة من المصالح تساهم في توطيد العلاقات المصرية معها، باعتبار ذلك ضرورة أمن وطني، وصل الأمر إلي حد التأثير علي قبطان السفينة الذي كان يحمل أولي شحنات اللحوم المستوردة من إثيوبيا، فضلَّ طريقه وتأخر وصول السفينة إلي ما بعد عيد الأضحي، وحينما وصلت السفينة متأخرة إلي مصر كانت بعض الخرفان التي تحملها قد نفقت بسبب طول الرحلة. كان أصحاب المصالح هؤلاء يدافعون عن أرباحهم الهائلة التي يحققونها من استيراد اللحوم من أمريكا اللاتينية واستراليا ويخشون أن تنخفض هذه الأرباح إذا ما اتجهنا جنوبا وتم استيراد اللحوم من كل من إثيوبيا والسودان، وهما ثاني وثالث أكبر دولتين من حيث الثروة الحيوانية، خاصة أن كيلو اللحم المستورد من إثيوبيا بيع بخمسة عشر جنيها في المجمعات وهو سعر كان ينخفض كثيرا عن سعر اللحوم المستوردة من أمريكا اللاتينية واستراليا. ولذلك.. كان مفهوما أن يشن أصحاب المصالح هؤلاء حرباً علي الوزيرة فايزة أبوالنجا ومعها زميلها حسن خضر وزير التموين وقتها استخدم فيها كل الاسلحة، بما فيها الاسلحة غير المشروعة، مثل إخافة المستهلكين من اللحوم الاثيوبية والسودانية بأنها مريضة وموبوءة، ومثل تحريض المصدرين في السودان علي رفع أسعار توريد اللحوم لمصر!.. فهم كانوا يحاولون حماية مصالحهم والمحافظة علي أرباحهم الهائلة التي جمعوها من جيوب أصحاب الدخول المحدودة. لكن الذي لم يكن مفهوما هو أن يتضامن بعض المسئولين والوزراء المهمين مع أصحاب المصالح هؤلاء، حينما سعوا لعرقلة جهود فايزة أبوالنجا وحسن خضر لاستيراد اللحوم من إثيوبيا والسودان، وصل الأمر إلي درجة إعلان التحدي بأنه لن يدخل مصر كيلو جرام واحد من هذه اللحوم، رغم أن استيرادها وفر لحوما لأصحاب الدخول المحدودة بأسعار في متناول أيديهم، كما أنه ساهم في تشكيل موقف إثيوبي إيجابي في المفاوضات المصرية مع دول حوض نهر النيل وتفهما إثيوبيا تجاه مطالب مصر بمراعاة حقوقها التاريخية في مياه النيل، وضرورة الاتفاق المسبق بين دول الحوض علي أية مشروعات تقام علي النهر وتؤثر علي تدفق مياهه إلي دول المصب قبل تنفيذها، هذا التفهم زال واختفي حينما توقف استيراد اللحوم من إثيوبيا، وهو ما أكده لي أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الذي يشارك الوزيرة فايزة أبوالنجا قناعتها في ضرورة استئناف استيراد اللحوم من إثيوبيا مرة أخري، خاصة أننا نحصل علي 85٪ من مياه النيل من هضبة الحبشة. كل ذلك هو الذي يجعلنا نطرح السؤال المهم.. من وما الذي يضمن ألا يتم التعطيل المتعمد لاستيراد اللحوم من إثيوبيا مرة أخري.. فأصحاب المصالح من مستوردي اللحوم من أمريكا اللاتينية واستراليا مازالوا موجودين، ولهم الهيمنة الكاملة علي سوق اللحوم المستوردة.. والمسئولون الوزراء المهمون الذين عرقلوا وعطلوا عملية استيراد اللحوم من إثيوبيا والسودان مازالوا موجودين أيضا، بل إن نفوذهم زاد أكثر وأكثر.. ألا يجعلنا ذلك نخشي أن يتكرر ما حدث في عام 2004؟ أظن وليس كل الظن إثم أن ثمة عاملا ضاغطاً علينا جميعا، وليس علي الحكومة فقط سوف يفشل محاولات أصحاب المصالح المدعومين بمسئولين ووزراء.. هذا العامل هو الضرورة بعد أن كشرت دول حوض النيل في وجوهنا ورفضت مطالبنا، ولن يغير مواقفها هذه إلا ربطها بنا بشبكة مصالح واسعة، وهذا ما أدركته الحكومة مؤخراً ولن أقول متأخراً.