جاء تشكيك مصادر مطلعة بالقاهرة في إمكانية انعقاد اجتماع اسطنبول لوزراء خارجية دول الاتحاد من أجل المتوسط والذي كان مقررا انعقاده الشهر المقبل في إسطنبول ليضع حداً أمام مسألة كانت الشغل الشاغل للصحافة الإسرائيلية الموتورة علي مدار الأيام الماضية بعد إدراكهم أن مصر وباعتبارها الدولة الرئيس للاتحاد من أجل المتوسط بالمشاركة مع فرنسا لن تسمح لوزير الخارجية الإسرائيلي افيجدور ليبرمان أن يكون ضمن الحضور في إطار سلسلة من الصفعات المصرية التي توجه لشخص ليبرمان قليل التهذيب وهو الوصف الذي سبق ونعته به المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية السفير حسام زكي في معرض رده علي تطاول ليبرمان علي مصر قبل أن يصبح وزيراً لخارجية إسرائيل. ولكن في الوقت نفسه فتح هذا الاجتماع باب التساؤلات من جانب المراقبين حول حقيقة وطبيعة التوجهات والأطر الحاكمة للسياسة الخارجية للدولة المضيفة وهي تركيا والتي يقودها الآن وزير خارجية كثر الحديث عنه وهو أحمد داود أوغلو في ضوء حزمة من المواقف المتناقضة شكل التضاد الذي يغلفها توضيح أكثر لطبيعة التحرك التركي علي المسرح الإقليمي والتي تعد إحدي وحداته الرئيسية إضافة لمصر والسعودية وإيران. ففي الوقت الذي ألهبت فيه تركيا مشاعر العرب و المسلمين برفضها مشاركة إسرائيل في مناورات نسر الأناضول العسكرية اعتراضا علي ما فعله سلاح الجو الإسرائيلي في الشعب الفلسطيني أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير علي قطاع غزة نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري لم تبد تركيا أي غضاضة ولم تظهر ولو إعلاميا كما احترفت في الأونة الأخيرة رفضا لاستقبال وزير الخارجية الإسرائيلي!! وهو شخص في حد ذاته عنوان للعنصرية. أكثر من ذلك وفي مطلع الأسبوع الجاري وسط عبث المتطرفين اليهود وبالمسجد الأقصي وفيما كانت مصر تجري اتصالات رفيعة المستوي لوقف هذه المهزلة اجتمع بولانت أرتيج نائب رئيس الحكومة التركية بالسفير الإسرائيلي في أنقرة غابي ليفني كشفت عنه الخارجية الإسرائيلية بعدما وصفته بأنه لقاء ناجح جداً إذ أكد أرتيج للسفير الإسرائيلي أن الأزمة التي أنفجرت بين البلدين في طريقها للحل وأن حكومته معنية بأن تنهي هذه الأزمة وتعيد العلاقات بين البلدين إلي سابق عهدها كعلاقات ودية مبنية علي التعاون في شتي المجالات وعلي خدمة مصالح البلدين وأن الحكومة التركية لا تتنازل أبداً عن هذه العلاقات وحسبما نقلته وكالات الأنباء علي لسان مصادر في الخارجية الإسرائيلية حول هذا الاجتماع أن السفير الإسرائيلي والمسئول التركي تداولا القضايا التي تسببت في هذه الأزمة وعرض كل منهما موقفه بصراحة تجاه موقف الآخر وحرصا علي تركيز النظر إلي الأمام وأن الخلافات بين أنقرة وتل أبيب أيا كانت ينبغي أن تظل خلافاً بين أصدقاء. وبربط هذه المواقف التركية يظهر بوضوح الخط البرجماتي للسياسة العثمانية الجديدة في المنطقة والتي أصبحت محل رصد للعديد من المناقشات في مراكز البحث وبيوت التفكير في المنطقة وظهرت حولها العديد من التحليلات كان آخرها رصداً للمواقف الإعلامية الصادرة عن تركيا قدمتها إدارة الإعلام والدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية تحت عنوان "قراءة في التوجهات التركية الجديدة" أوضحت هذه القراءة أن أنقرة تعمل علي تعزيز علاقاتها الإقليمية عربا وفرسا لتحقيق عمق استراتيجي بعدما طعن الكبرياء التركي بسبب الصعوبات التي وضعتها دول الاتحاد الأوروبي أمام أنقرة لعضوية الاتحاد فلتركيا ثقة بالنفس وببلدان المنطقة تجعلها علي يقين من أن الترابط والتعاون الإقليمي هو طريقها إلي دور فاعل ومؤثر في التفاعلات والتوازنات الدولية ومن هنا كان تأسيس مجلس تعاون استراتيجي تركي سوري عالي المستوي ومن هنا كانت النوايا التركية برفع معدلات التبادل التجاري مع إيران من 5.5 مليار دولار إلي 20 مليار دولار سنوياً. وأيضا فإن السياسات التركية الجديدة تنبع من رغبة في تصحيح أخطاء الماضي والتعديل للمسار خاصة إن تركيا كان سخاؤها وعطاياها وهباتها السياسية والعسكرية للولايات المتحدة ولأوروبا المقسمة أو الموحدة ولإسرائيل بغير حساب لذا تولدت لديها قناعات بأن العلاقة مع جميع تلك القوي فرادي أو مجتمعة قامت علي السداد التركي في مقابل وعود لم يتحقق وعد واحد منها فلا الولاياتالمتحدة قدمت لتركيا مكاناً متميزة تضمن لها وضعية خاصة في شرق أوسط جديد ولا تقبلتها أوروبا تحت لواء اتحادها ولا أوفت إسرائيل بوعود الضغط في اتجاه تركيا الأوروبية. ويقيناً فإن السياسة التركية الجديدة التي تستهدف توازناً أمناً وتناغماً هائلاً بين السعي والنتيجة جاءت وليدة لفشل الفكر الأتاتوركي الذي هيمن عليها وحكم توجهاتها لفترة طويلة من جانب وقناعات ترسخت لدي الحزب الحاكم العدالة والتنمية تقوم علي إيلاء عمق حضاري وتاريخي للسياسة التركية وعدم إمكانية تجاهل أن الانتماء الإقليمي والوجود الجغرافي يفرض نمطاً جديداً للتعامل وأسلوباً متفرداً يضمن تجنب ما ينطوي عليه تحالف هش من مخاطر وربما ويلات تضاعف الهموم بأكثر مما ينتج عنها من مزايا.