يأتي هذا المقال كرد فعل وطني غاضب من تلك الحملات التشكيكية في وطنية شعبنا العريق في سيناء، واتهام بدوه بفقدان الولاء والانتماء، بل وتمني عودة الاحتلال الصهيوني، وغيرها من الاتهامات الفجة، فاقدة العلمية والموضوعية، والمنافية لمعطيات الواقع وحقائق التاريخ، والتي لا تصب إلا فيما يستهدفه الصهاينة في النيل من الثوابت الوطنية والقوية، وعمق الولاء والانتماء لكل أبناء الشعب المصري في كل مكان، وعلي اختلاف فئاته وطبقاته، وفي القلب منه شعب سيناء، ولم لا؟ وهذا الشعب بانجازاته وعطائه التاريخي والحديث والمعاصر سيظل مضرب المثل في التضحية والفداء وحماية حدودنا الشرقية، أما التشكيك في وطنيته والنيل منه فإنما يشكل تشكيكا في وطنية وولاء كل مصري. لأن سيناء - يقول جمال حمدان - هي مصر الصغري، وهي الامتداد الطبيعي لصحراء مصر الشرقية، إنها المصرية في كل شيء والمرتبطة بحياة وادي النيل، ومن ثم تؤكد عشرات الدراسات والتحليلات أهمية سيناء، ووضعها الخاص بالنسبة لقضية الأمن القومي، ليس فقط "المصري"، وإنما أيضا "العربي"، باعتبار أن تهديد الأمن القومي المصري، إنما هو في المحصلة تهديد للأمن القومي العربي، لأن مصر وبكل المعايير هي النواة الصلبة، وأي تهديد لأمنها القومي إنما هي بداية النهاية لأمن الوطن العربي كله، من هنا تأتي خطورة المساس بشعب سيناء، أو التشكيك في وطنيته، لأن هذا ما يستهدفه الصهانية، ويخططون له ابتغاء تحقيق أهدافهم ومشاريعهم التوسعية. وهنا نقول لهؤلاء الذين يتهمون بدو سيناء بفقدان أو ضعف الولاء والانتماء لمصرهم الحبيبة، هل تعلمون أنه في أعقاب احتلال الصهاينة لسيناء، وخلال إعادة تنظيم وبناء قواتنا المسلحة لم يقف شعب سيناء مكتوف الأيدي، بل قام - وعلي خط مواز لجهود لقوات المسلحة - بتشكيل الخلايات والمنظمات الفدائية لمقاومة جيش الاحتلال، وفي مقدمة هذه الخلايا والمنظمات التي تشكلت داخل سيناء "منظمة سيناء العربية" والتي عاونت - كما صرح بذلك الخبراء وكبار قادة القوات المسلحة - هذه القوات، معاونة رائعة من خلال العمليات التي كانت تقوم بها هذه القوات. كما قام بدو سيناء - الذين يتم اتهامهم الآن بضعف الولاء والانتماء - بتشكيل هذه المنظمة من الرجال والنساء والشباب، حتي الأطفال الصغار، وأطلق عليهم لقب "مجاهدي سيناء" وهم الذين قاموا بعمليات بطولية فدائية أربكت العدو، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والسلاح، ولم تحل عمليات الأسر والاعتقال، وتدمير المنازل، والهجوم علي الحياة الخاصة للبدو، في استمرارية هذه العمليات الفدائية، والتي كان لها الفضل في اهتزاز ثقة العدو في قدراته، كما كان لها الفضل في تحقيق أهداف حرب الاستنزاف التي تعد التمهيد العملي الحقيقي لحرب أكتوبر العظيم. عشرات الوقائع والأحداث التي تؤكد عمق الولاء والانتماء لشعب سيناء، وفي تاريخنا المعاصر، ناهيك عن البطولات والتضحيات التي قام بها هذا الشعب العظيم وترد وبقوة علي دعاوي التشكيك والخيانة والحملات المشبوهة التي يقوم بها الجهلاء وأدعياء العلم والمعرفة. وفي صدد تأكيد عمق الولاء والانتماء لشعب سيناء لا يمكن نسيان ذلك الحدث الكبير الذي وقع في السادس والعشرين من أكتوبر عام 8691، والذي يعد يوما من الأيام الأعظيمة في تاريخ هذا الوطن، والشعب السيناوي العظيم، في هذا اليوم ومن 14 سنة وجهت إسرائيل الدعوة لوكالات الأنباء العالمية ومراسلي الإعلام من كل أنحاء العالم، لحضور مؤتمر صحفي يعلن فيه "موشي ديان" وزير دفاع العدو الصهيوني وقتذاك، وبالتحديد في "الحسنة" وسط سيناء، وقامت القوات الصهيونية باجبار شيوخ القبائل وكبار الشعب السيناوي علي حضور هذا المؤتمر، ليعلن فيه "ديان" مفاجأة قال إنها هي الكارثية لمصر. وبدأت أحداث هذا المؤتمر بأن يكون المتحدث الأول وباسم شيوخ قبائل سيناء وكبارها الذين حضروا المؤتمر هو "الشيخ سالم القرشي" ليفجر "القنبلة" أو المفأجأة التي قام الصهاينة وعلي رأسهم ديان بالإعداد لها، ووقف الشيخ القرشي، والكل ينتظر اطلاقه المفاجأة وهي "رغبة أهالي سيناء في تدويل سيناء"، وإذا بالشيخ والكل يترقب كلماته، ويعد أنفاسه، والأبصار شاخصة تقول فإذا به يعلن في المؤتمر الصحفي أو بتعبير أدق يلقي بالقنبلة التي لم تكن في حسبان الصهاينة وهي "أن سيناء أرض مصرية، وستبقي مصرية، ومن يريد الحديث عنها فليتحدث مع زعيم مصر جمال عبدالناصر"، وإذا بالهتافات تعلو باسم مصر، وبمصرية سيناء، وفشل الصهاينة في مخططهم، وفشل المؤتمر، وانفض، ولكن الذي لم ينته وبقي وسيبقي إلي الأبد، ذلك الدرس الذي لقنه بدو سيناء بل كل شعب مصر للصهاينة ولقوي الهيمنة والاستكبار الداعمة لهم، وهم وليس غيرهم الأمريكان والغرب الاستعماري، بأن الولاء والانتماء هو خاصية الخصائص للشعب المصري في كل مكان، وفي سيناء وفي غيرها، وبكل فئاته وطوائفه، مهما كانت الأزمات، ومعاناة الحياة اليومية، ومهما كان الخلاف مع الأنظمة السياسية، فمصر للجميع وبهم. وهذا هو الدرس الذي لم يستوعبه حتي الآن الصهاينة والاستعمار الغربي الداعم لهم، بل لم يستوعبه أيضا المتأمركون والمطبعون ودعاته، والذين يحاولون جاهدين العمل من خلال الأجندات الأجنبية، والترويج لأفكاره وتوجهاته تحقيقا للمكاسب الشخصية والايديولوجية ولم لا؟ وهناك ممن يطلقون علي أنفسهم الصفوة، بل ومن المخجل يخططون الآن لمستقبل مصر، نقول هناك من هؤلاء الذين لا نسميهم فسيماهم علي وجوههم، من اشتركوا في ندوة الصهيوني البريطاني ديفيد أوين وزير الخارجية الأسبق لبريطانيا، التي لم تعد عظمي للتشكيك في نصر أكتوبر العظيم، أما ماذا قال؟ وما رد فعل حضور الصفوة التي تخطط لمستقبل مصر السياسي؟ فهذا وبالتأكيد موضوع لمقال آخر بمشيئة الله تعالي.