ثلاثون عاما تقريبا مرت علي هذه الواقعة التي كان الصديق لينين الرملي شاهدا عليها وشريكا فيها.. تونس.. استديو زيني فيلم في مدينة سوسة الساحلية، كنت أعمل مستشارا دراميا للشركة المنتجة التي تسجل أعمالها هناك، بينما كان لينين هناك لتسجيل مسلسل له، عرفت من بعض الممثلين أنهم يقيمون في فندق به ميزة لا نعرفها في مصر وربما لا يعرفها بلد عربي آخر وهو أن السائحات الأوروبيات حول حمام السباحة لا يغطين صدورهن Topless يا له من مشهد جميل لا يجب أن يفوتني بحال من الأحوال، علي الفور ذهبت إلي مسئول الإعاشة وطلبت منه أن ينقلني علي الفور إلي ذلك الفندق وأن يحرص علي أن تكون غرفتي مطلة علي البيسين، وهذا ما حدث بالفعل، كلمة تطل هنا صحيحة حرفيا، بلكونة الغرفة قريبة للغاية من الأجسام العارية، جلست في البلكونة وأنا أعد نفسي لوجبة مشاهدة لذيذة، ألقيت عدة نظرات سريعة، لحظات قصيرة للغاية وبدأت اكتشف سخافة ما أفعله، يا إلهي.. ما هذا الذي أفعله..؟ بشر يرقدون في وداعة يستمتعون بأشعة الشمس التي لا يعرفونها في بلادهم، أليس لأجسامهم هذه حرمة وقدسية.. هل حصلت علي إذن منهم بالتحديق فيها؟ ابتعدت بأنظاري عنهن وكأنه لا وجود لهن، وانشغلت بالتفكير في أشياء أخري، لماذا لم أشعر تجاههن بالاشتهاء أو بالرغبة ولو في حدها الأدني كما تصورت في البداية وكما هو متوقع، لماذا فشل كل هذا العري في دفعي لذلك، بل من أين جاءني كل هذا الشعور بقداسة الجسم البشري ثم ذلك الإحساس القوي بالذنب من تدنيسه بنظراتي، وتذكرت الفلاحة المصرية أو الحضرية ابنة البلد التي كانت تخرج ثديها لترضع طفلها في مكان يعج بالناس ولا أحد ينظر إليها. تركت البلكونة ونزلت إلي البيسين ومعي لينين وأخذنا نناقش هذه الحكاية. وفي المساء، حكيت الحكاية للزميلة رجاء الجداوي، ما هي الصلة بين الملابس والإحساس بالرغبة أو كما تسميه أدبياتنا المعاصرة إثارة الشهوة. الوحيد الذي يمكن أن توجه إليه هذا السؤال هو رجاء الجداوي نظرا لثقافتها العريضة بالإضافة لأنها كانت تعمل يوما ما عارضة أزياء، بل كانت أشهر عارضة أزياء عرفتها مصر، فقالت رجاء: ليس العري هو ما يصنع الرغبة.. بل الملابس وطريقة ارتدائها.. ويقول صديقي طبيب النساء رءوف رشدي: طبيب النساء يكشف علي المرأة وجسدها عار.. غير أنها لا تتعري أمامه.. هي تخلع ملابسها بعيدا عنه.. إنها حالة التعري وليس العري هو ما يثير الرغبة عند البشر. إنني أدعو المثقفات المنقبات المنتقبات الحاصلات علي الدكتوراه وخصوصا من يعملن منهن أساتذة في الجامعة أن يصارحن أنفسهن بحقيقة الدوافع التي تدفعهن لارتدائه . والقول بأن النقاب كان عادة، ينقصه الدقة والأكثر صحة هو أن نقول ، كان عادة تحتمها البيئة والظروف التاريخية، إن قسوة الصحراء تميت كل رغبة عند الرجل فكان لابد من طريقة في الإثارة تحول المرأة إلي " غرض object " وليس جسما بشريا له ملامح إنسانية واضحة، كان لابد من إحاطة هذا الغرض بأكبر قدر من الغموض والإخفاء بهدف إثارة أكبر قدر من الخيال والفضول والاهتمام وبالتالي الإثارة. إن الشعور الطبيعي عند أي رجل عند مشاهدة منتقبة هو الرغبة القوية في معرفة باقي تفاصيلها وتصبح هذه الرغبة عارمة عندما يتصادف أن تكون نظراتها موحية ونفاذة، كل الرجال يعرفون ذلك وأزعم أنكن أنتن أيضا تعرفن ذلك. مازلت أتحدث مع المنتقبات الأستاذات مفترضا اهتمامهن بالبحث العلمي، وأقول لهن، في منتصف القرن التاسع عشر كتب إدوارد لين كتابه الشهير، المصريون المحدثون عاداتهم وتقاليدهم، ومنه نعرف أن النقاب كان موجودا، ولكن الحرائر لم يكن يرتدينه، الحرة لا تخفي وجهها، من تخفي وجهها كانت نوعية أخري من النساء، الحرة لا تخفي وجهها لأنها علي يقين من أنها ليست غرضا لاستمتاع الرجل بل هي إنسان له ملامح تماما كالرجل. أمس الأول وفي عرس جماعي مد وزير التعليم يده لمصافحة عروس منتقبة فقالت له لا يجوز.. وظل الرجل حائرا ويده معلقة في الهواء .. وهو موقف محرج للغاية جربته من قبل وظللت للحظات لا أعرف ماذا أفعل بيدي الممتدة، لم تكن السيدة منتقبة، كانت زميلة وصديقة وناقدة مسرحية شهيرة بل وتتميز بخفة الدم أيضا، جاءت لتحضر عرضا مسرحيا لي عندما رأيتها فرحت بوجودها وعلي الفور مددت يدي لها ، لم أكن أعرف أنها قد ذهبت في طريق اللي يروح ما يرجعش.. كانت يدي ممدودة ومعلقة في الهواء بينما هي تقول: نحن نسلم ولا نصافح. عجزت عن استيعاب ما تقول ولم أعرف ماذا أفعل بيدي، وبطاقة حب وترحيب هائلة ربت علي كتفها، لابد أن ما فعلته كان جريمة أكبر، غير أنها بثقافتها العريضة علقت بخفة دم لتقضي علي إحساسي بالحرج: ماذا.. لانصافح بل نطبطب..؟ في هذه المرحلة من تاريخنا، أجد أنه من الضروري أن نهتم بحكاية (الغلاسة) وماهي دوافعها داخل العقل البشري.